لغيرنا وقد أبان ص لأمته عن صورة تجلى الحق لعباده بقول ما قاله نبي لأمته قبله وبهذا أثنى الله عليه فقال بالمؤمنين رؤوف رحيم وأرسله رحمة للعالمين ولم يخص مؤمنا من كافر فقال ص لما حذر من الدجال في دعواه الألوهية فقال أقول لكم فيه قولا ما قاله نبي لأمته وما من نبي إلا قد حذر أمته الدجال ألا إن الدجال أعور العين اليمنى كان عينه عنبة طافية وإن ربكم ليس بأعور فعرفنا بأي صورة نرى ربنا ولا يقال إنه أراد صورة لا تقبل العور فكانت فائدة الأخبار ترتفع فإن تلك الصورة كانت تعطي بذاتها نفي العور عنها وإنما لما كانت الصورة ممن يقبل ذلك بين لنا أنه ليس كذلك لما علم من وقوع الشبه فيما وقعت فيه السلامة من العيب وإنما كان الدجال أعور لأنه على نصف الصورة إذ لم يحز رتبة الكمال كما حازها أكثر الرجال ثم نرجع ونقول إن موسى لما كلمه ربه أدركه الطمع فقال رب أرني أنظر إليك فسأل ما يجوز له السؤال فيه إذ كانت الرسل أعلم الناس بالله وأنه ذو إدراك يدركه به وأنه المدرك بالإدراك لا الإدراك فإنه عالم بأن الأبصار لا تدركه وإنما هي آلة يدرك بها وإنما منع موسى من الرؤية لكونه سألها عن غير أمر إلهي أوحي به إليه فإنهم أدباء لا يتبعون إلا ما يوحى به إليهم ولا سيما في الجناب الإلهي فلهذا قيل له لن تراني ثم استدرك استدراك لطيف بعبده لما انتهى فيه حد عقوبة فوت الأدب بالسؤال ابتداء الذي حمله عليه شوقه فكان مثل السكران فلما علم إن الياس قد قام به فيما طلبه استدرك بالإحالة على الجبل في استقراره عند التجلي والجبل من الممكنات فتجلى له ربه فاندك عند ذلك التجلي لكون روحه ما أوجده الله لحفظ الصورة على الجبل مثل الأرواح المدبرة وإنما أوجده ليكون مسبحا له فلذلك لم تحفظ عليه صورة الجبلية وأثر فيه التجلي وحفظ روح موسى ع على موسى في صعقه عند رؤية ما رآه الجبل الذي كان حجابا عليه صورة نشأته فلما أفاق رجع موسى موسى وما رجع الجبل جبلا علم موسى أنه قد وقع منه ما كان ينبغي له أن لا يقع إلا بأمر إلهي فقال تبت إليك لما علم إن الله يحب التوابين وأنا أول المؤمنين بوقوع هذا الجائز إذ ما تقدم لأحد من هذا النوع الإنساني إنه سأل ربه رؤيته ولا أنه رآه فلذلك ادعى موسى أنه أول المؤمنين ثم أعلمنا ص إنه ما منا أحد إلا سيرى ربه ويكلمه كفاحا وهذا كله إعلام بالصورة التي يتجلى لنا فيها وهي الصورة التي خلقنا عليها ونحن نعلم قطعا إن ذوق الرسل فوق ذوق الأتباع بما لا يتقارب فلا تظن إن سؤال موسى رؤية ربه أنه فاقد للرؤية التي كانت حالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قوله ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله هذه الرؤية ما هي الرؤية التي طلبها موسى من ربه فإنها رؤية حاصلة له لعلو مرتبته فإن ذوق الصادق ما هو ذوق الصديق فالرؤية ثابتة بلا شك ذوقا ونقلا لا عقلا فإن رؤية الله تعالى من محارات العقول ومما يوقف عندها ولا يقطع عليها بحكم من أحكامها الثلاثة إذ ليس للأنبياء ولا للأولياء من أهل الله علم بالله يكون عن فكر قد طهرهم الله عن ذلك بل لهم فتوح المكاشفة بالحق فمن الرائين من يراه ولا يقيد ومنهم من يراه به ومنهم من يراه بنفسه ومنهم من لا يراه عنده وهو قد رآه ولا يعلم أنه رآه لأن هذا الصنف ليس بصاحب علامة في الحق ولا يعرف صورة ظهوره في الوجود ومنهم من لا يراه لعلمه بأن عينه لا تظهر هنا للعالم إلا بصور أحكام أعيان العالم وهو مجلاها فلا يقع الإدراك من الرائي إلا على صورة الحكم لا على العين فيعلم أنه ما رآه ولله المثل الأعلى وهو العزيز الذي لا يرى من حيث هويته الحكيم في تجليه حتى يقال إنه رأى انظر إلى الصورة الظاهرة للعين في الجسم الصقيل وحقق رؤيتك فتجد تلك الصورة قد حالت بينك وبين إدراكك عين الجسم الصقيل الذي هو مجلاها فلا تراه أبدا والحق مجلي صور الممكنات فلم ير العالم إلا العالم في الحق لا بالحق وبالحق ثم لتعلم إن المرئي الذي هو الحق نور وأن الذي يدركه به الرائي إنما هو نور فنور اندرج في نور فكأنه عاد إلى أصله الذي ظهر منه فما رآه سواه وأنت من حيث عينك عين الظل لا عين النور بل النور ما تدرك به كل شئ والنور من الأشياء فلا تدركه إلا من كونك حاملا للنور في عين ظلك والظل راحة والظلمة حجاب فإذا طلع كوكب الحق ووقع في قلب العبد استنار به القلب وأضاء فأزال عن صاحبه الحيرة والخوف فأخبر عن ربه بالصريح والإيماء وأنواع الإخبارات واعلم أن الأنبياء ما اختارت النوم على ظهورها إلا لعلمها أنه كل ما قابل الوجه فهو أفق له إذ كان لا يقابل الوجه إلا الأفق وثم أفق أدنى أي أقرب إلى الأرض وثم أفق أعلى وهو ما تقابله بوجهك عند استلقائك على
(١١٦)