لا بد من أن يكون للمضمون مساس به ولو بنحو التسليط على الانتفاع، كالعارية فإنها لا تفيد ملك العين بل مجرد ملك الانتفاع، ومع ذلك يتقوم بايجاب وقبول، فالحبس المقتضي لملك المنفعة أو للتسليط على الانتفاع لا مانع من أن يتقوم بايجاب وقبول.
ومنها: أن الوقف لا بد له من موقوف عليه، إما خاصا أو عاما، إذ لو كان الوقف مجرد فك الملك ولم يكن هناك تمليك الغير لما كان له التوقف على الموقوف عليه.
وفيه: أن الحاجة إلى الموقوف عليه لا من حيث كونه فكا للملك، بل من حيث كون ما أخرجه عن ملكه محبوسا على الغير، ليكون له منافعه أو ليتسلط على الانتفاع به، مع أن بعض الأوقاف كما سيجئ (1) إن شاء تعالى لا يتقوم بموقوف عليه، والذي ينبغي أن يقال هو أن الوقف على أقسام أربعة:
أحدها: ما يملك الموقوف عليه منفعته، فيجوز له نقلها بإجارتها ونحوها كالأوقاف الخاصة، أو ما يشبهها من الأوقاف العامة كالدكان والبستان الموقوف على الزوار مثلا، فإنهم يملكون منافعها فلهم إجارتها.
ثانيها: ما لا يملك منفعته، ولكنه يملك الانتفاع به بتسليط الواقف وانشائه، كالأوقاف العامة من قبيل المدارس والخانات المعدة، لنزول المسافرين وأشباههما.
ثالثها: ما يجوز له الانتفاع به بحكم الشارع لا بتسليط الواقف كالمسجد، فإنه لم يقصد به إلا جعله مسجدا، ومن أحكامه جواز الصلاة بل مطلق التعبد فيه، من دون أن يكون الواقف جعله وقفا على المصلين أو على الصلاة، بل يقال: إنه لو جعل أرضا وقفا للصلاة لم يترتب أحكام المساجد عليها.
رابعها: ما لا يفيد ملك المنفعة ولا ملك الانتفاع، ولا حكم الشارع بجواز الانتفاع به كما في المعلقات الموقوفة على الروضات المنورة والمشاهد المقدسة أو على الكعبة مثلا، فإنها وقفت لمجرد تزيين تلك البقاع المتبركة، لا لأن ينتفع بها الزائرون أو المسلمون أو الخدمة أو القيم مثلا.
فنقول: