أما الأول: فقد مر (1) أن مجرد ملك المنفعة لا يدل على ملك العين، إلا أن حبس العين على أحد لا بد من أن يكون باعتبار إضافة العين المحبوسة إليه، وإلا فلا معنى لحبسه عليه، وإن كان لأصل الحبس عن الجري في المعاوضات معنى فلا محالة يكون الحبس عليه باعتبار إضافة العين إليه، وليس هذه الإضافة باعتبار ملك المنفعة، لأن ملك المنفعة على هذا الوجه بتسبيل الواقف لا بتبعية ملك العين، وملك المنفعة له لا عليه، والحبس لا يعقل أن يتعلق بالعين باعتبار المنفعة الغير المحبوسة، فنفس حبس العين عليه ليس إلا بمعنى قصرها عليه ملكا واختصاصا.
ومن الواضح أن الاختصاص المطلق الغير المقيد بشئ والغير المتعين بتعيين مخصوص هو الملك، فيكون قصر العين عليه ملكا قصر ملكية العين عليه، فالملك غير قابل لأن يتعدى منه بتسبيب منه إلى غيره أو بسبب قهري إلا بانشاء الواقف للطبقة المتأخرة، وإذا كان حقيقة الوقف على أحد بهذا المعنى فلا محالة لا يحتاج إلى انشاء ملك المنفعة له، بل نفس ملك العين كاف لملك المنفعة إذا لم يكن هناك مانع، والمفروض عدمه، كما أن المفروض في مقام الوقف على الأشخاص الاقتصار على وقف الدار عليهم من دون تعرض في مرحلة الانشاء لتمليك منافعها، وهذا أحسن وجه وأدق في استفادة ملك العين في هذا القسم، فافهم واغتنم.
وأما الثاني فنقول: أن ملك الانتفاع يتحقق من قبل الموجب بأحد وجهين:
إما بتسليط منه لأحد على الانتفاع بالعين كما في العارية، وإما بتمليك المنفعة الخاصة من حيث مباشرة المالك لها وهو أيضا يتصور على وجهين:
إما بتمليك حصة خاصة من المنفعة المتخصصة بمباشرة المنتفع، أو بتمليك المنفعة واشتراط المباشرة في ضمن عقد الإجارة مثلا، فإن كان ملك الانتفاع على الوجه الأول فهو كاشف عن عدم ملك العين، وإلا لكان مالكا للمنفعة، فمن عدم كونه مالكا لها يستكشف عدم ملك العين.
وإن كان على الوجه الثاني بأحد طوريه لم يكن كاشفا عن عدم ملك العين،