العجز والقصور، وإن صنفا واحدا من الأصناف الغير المتناهية من ملائكته ملائكة بعدد جميع ما خلق الله من شئ، هم أهل المحبة لله، ما خطر على قلوبهم مذ خلقهم الله - وهو ثلاثمائة ألف سنة قبل خلق العالم - سوى الله - سبحانه -، وما ذكروا غيره، لأستحيي منه حق الحياء أن يعد ما عليه من المعرفة والمحبة معرفة ومحبة، وخرس لسان عن التظاهر بالدعوى.
وروي في بعض الأخبار: (أن بعض أهل الله سأل بعض الصديقين أن يسأل الله - تعالى - أن يعطيه ذرة من معرفته، ففعل ذلك، فحار عقله وذهل لبه، ووله قلبه، وهام في الجبال، وبقي شاخصا سبعة أيام، لا ينتفع بشئ ولا ينتفع به شئ، فسأل له الصديق ربه أن ينقص بعض الذرة من المعرفة التي أعطاه، فأوحى الله - تعالى - إليه: (إنا أعطيناه جزءا من مئة ألف جزء من ذرة من المعرفة، وذلك أن مئة ألف عبد سألوني شيئا من المحبة في الوقت الذي سألني هذا، فأخرت إجابتهم إلى أن شفعت أنت لهذا، فلما أجبتك فيما سألت أعطيتهم كما أعطيتك، فقسمت ذرة من المعرفة بين مئة ألف عبد، فهذا ما أصابه من ذلك). فقال: سبحانك سبحانك!
أنقصه مما أعطيته، فأذهب الله عنه جملة ما أعطاه، وأبقى فيه عشر معشاره وهو جزء من عشرة آلاف جزء من مئة ألف جزء من ذرة، فاعتدل خوفه وحبه ورجاؤه، وسكن، وصار كسائر الكمل من العارفين) (38).
والحق أن حقائق الصفات الإلهية أجل وأعظم من إدراك العقول البشرية، ولا يطيق أحد من الكمل أن يتحمل لفهم جزء من الأجزاء الغير المتناهية منها فالوصول إلى ما عليه الحضرة الربوبية من العظمة والجلال وسائر صفات الكمال في حيز المحال، (وما قيل أو يقال فيه) وهم أو خيال فأين يحصل لأحد ما يليق به من المعرفة والمحبة؟ فلو أمكن أن تدخل أمثال هذه العوالم المخلوقة من السماوات والأرضين وما فوقهما وأضعافهما بقدر غير متناه في جوف خردلة، لأمكن أن تدخل في أعظم العقول ذرة من عظمته وجلاله، وغاية المعرفة أن يعرف عظمته وقدرته وجلاله وعزته وسائر أوصافه الكمالية بأمثال هذه العنوانات وتمثيلات، وهي أيضا لو ضوعفت إلى