وإن كان الحاصل في الآخرة أزيد انكشافا وأشد انجلاء بحسب زيادة صفاء النفوس وزكائها وتجردها عن العلائق الدنيوية - كما تقدم مفصلا -، وقد ثبت ذلك من أئمتنا الراشدين العارفين بأسرار النبوة، روى شيخنا الأقدم (محمد بن يعقوب الكليني) وشيخنا الصدوق (محمد بن علي بن بابويه) رحمهما الله بإسنادهما الصحيح عن الصادق (ع): (أنه سئل عما يرون من الرؤية، فقال: الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزء من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملأوا أعينهم من نور الشمس ليس دونها سحاب). وبإسنادهما عن أحمد بن إسحاق قال: (كتبت إلى أبي الحسن الثالث (ع) أسأله عن الرؤية وما أختلف فيه الناس، فكتب: لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي لن تصح الرؤية وكان في ذلك الاشتباه، لأن الرائي متى ساوى المرئي فالسبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه، وكان ذلك التشبيه لأن الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات). وعن أبي بصير عن الصادق (ع) قال (قلت له: أخبرني عن الله - عز وجل - هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟
قال: نعم! وقد راوه قبل يوم القيامة. فقلت: متى؟ قال: حين قال لهم ألست بربكم، قالوا بلا... ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟! قال أبو بصير فقلت له: جعلت فداك! فأحدث بهذا عنك؟ فقال: لا! فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله، ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون).
وسئل أمير المؤمنين (ع): (هل رأيت ربك حين عبدته؟ فقال: ويلك!
ما كنت اعبد ربا لم أره. قيل: وكيف رأيته؟ قال: ويلك! لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان) (32). وقال سيد