جامع السعادات - محمد مهدي النراقي - ج ٣ - الصفحة ١٤١
فمنهم من يحبه بكل قلبه. ومنهم من لا يحبه بكل قلبه، بل يحب معه غيره أيضا من الأهل والولد والمال، فلا جرم يكون فرحه بلقاء الله عند القدوم عليه على قدر حبه وكراهته لفراق الدنيا عند الموت على قدر حبه لها، وإن كانت كراهته للموت لأجل إرادته الاستعداد والتهيؤ للقاء الله، ومشاهدته بتحصيل زيادة العلم والعمل، لا لحب الأهل والمال، ولا للتأسف على فراق الدنيا، فهو لا يدل ضعف الحب ولا ينافي أصله، وهو كالمحب الذي وصل إليه خبر قدوم حبيبه، فأحب أن يتأخر قدومه ساعة ليعمر داره ويفرشها ويهيأ أسبابها، ليلقاه فارغ القلب عن الشواغل، وعلامة ذلك الجد في العمل، واستغراق الهم في تحصيل المعرفة، والاستعداد للآخرة.
الثانية - أن يؤثر مراد الله - سبحانه - على مراده، إذ المحب لا يخالف هوى محبوبه لهوى نفسه، كما قيل:
أريد وصاله ويريد هجري * فأترك ما أريد لما يريد فمن كان محبا لله: يمتثل أوامره ويجتنب نواهيه، ويحترز عن اتباع الشهوات، ويدع الكسالة والبطالة، ولا يزال مواضبا على طاعته وانقياده ويكون مبتهجا متنعما بالطاعة ولا يشغلها، ويسقط عنه تعبها. وقد روي:
(أن زليخا لما آمنت، وتزوج بها يوسف (ع)، انفردت عنه، وتخلت للعبادة، وانقطعت إلى الله - تعالى -، وكان يوسف يدعوها إلى فراشه نهارا فتدافعه إلى الليل، وإذا دعاها ليلا سوفت إلى النهار، فعاتبها في ذلك فقالت يا رسول الله! إنما كنت أحبك قبل أن أعرف ربك، فأما إذ عرفته فلا أؤثر على محبته محبة من سواه، وما أريد به بدلا). ثم الحق أن العصيان يضاد كمال المحبة لا أصلها، ولذا قد يأكل الرجل المريض ما يضره، ويزيد في مرضه مع أنه يحب نفسه، ويحب صحته، والسبب ضعف المعرفة وغلبة الشهوة، فيعجز عن القيام بحق المحبة.
الثالثة - ألا يغفل عن ذكر الله - سبحانه -، بل يكون دائما مستهترا بذكره، إذ من أحب شيئا أكثر ضرورة ذكره وذكر ما يتعلق به فمحب الله لا يخلو عن ذكر الله وذكر رسوله وذكر القرآن وتلاوته، لأنه كلامه، ويكون محبا للخلوة ليتفرد بذكره وبمناجاته، ويكون له كمال
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»
الفهرست