إما أن يكون جمال الصورة، وكمال العقل، وغزارة العلم، وحسن الأخلاق والأفعال، وكل ذلك يستحسن عند الطباع السليمة، وكل مستحسن مستلذ به ومحبوب، ومن هذا القسم أن يحبه لأجل مناسبة خفية معنوية بينهما، فإنه قد تستحكم المودة بين شخصين من غير حسن في خلق وخلق.
ومن دون ملاحة في صورة. ولا غيرها من الأعضاء، بل المناسبة باطنة توجب الألفة والموافقة والمحبة، فإن شبه الشئ ينجذب إليه بالطبع، والأشياء الباطنة خفية، ولها أسباب دقيقة ليس في قوة البشر أن يطلع عليها، وإلى هذا القسم من الحب والموافقة أشار رسول الله (ص) بقوله: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منهما ائتلف، وما تناكر منها اختلف). فالحب نتيجة التناسب الذي هو التعارف، والبغض نتيجة التناكر. ومعلوم أن هذا القسم من الحب لا يدخل في الحب لله، بل هو حب الطبع وشهوة النفس، لذا يتصور ممن لا يؤمن بالله، إلا أنه إن اتصل به غرض مذموم صار مذموما، وإلا فهو مباح لا يوصف بمدح وذم.
الثاني - أن يحبه لا لذاته، بل لينال منه محبوبا وراء ذاته، وكانت لهذا المحبوب فائدة دنيوية. ولا ريب في أن كلما هو وسيلة إلى المحبوب محبوب، وعدم كون هذا الحب من جملة الحب في الله ظاهر.
الثالث - أن يحبه لا لذاته، بل لغيره، وذلك الغير راجع إلى حظوظه في الآخرة دون الدنيا، وذلك كحب التلميذ الأستاذ، لأن يتوصل به إلى تحصيل العلم وتحسين العمل، ومقصوده من العلم والعمل سعادة الآخرة.
وهذا الحب من جملة الحب في الله، وصاحبه من محبي الله، وكذلك حب الأستاذ للتلميذ، لأنه يتلقف منه العلم، وينال بواسطته مرتبة التعليم، ويترقى به إلى درجة التعظيم في ملكوت السماء. قال عيسى (ع): ((من علم وعمل وعلم، فذلك يدعى عظيما في ملكوت السماء). ولا يتم التعليم إلا بمتعلم، فهو إذن آلة في تحصيل هذا الكمال، فإن أحبه لأنه آلة إذ جعل صدره مزرعة لحرثه فهو محب لله.
بل التحقيق: أن كل من يحب أحدا لصنعته، أو فعله الذي يوجب تقربه إلى الله، فهو من جملة المحبين في الله، كحب من يتولى له إيصال