من الأنبياء والأولياء والحكماء والعلماء، فإن ذلك يورث اليقين والطمأنينة بعد التأمل، كما أن المريض الذي لا يعرف دواء علته إذا أتفق جميع أرباب الصناعة على أن دواءه كذا، فإنه تطمئن نفسه إلى تصديقهم ولا يطالبهم بتصحيح ذلك بالبراهين، بل يثق بقولهم ويعمل به، وإن كذبهم صبي أو معتوه أو سوادي. ولا ريب في أن المنكرين للآخرة المغترين بالحياة الدنيا من الكفار والبطالين بالنظر إلى المخبرين عن أحوال الآخرة المشاهدين لها من الأنبياء والأولياء أدون حالا وأقل رتبة من صبي أو معتوه أو سوادي فالنظر إلى أطباء بلد أو مملكة. - وثانيهما - ما لا يدركه إلا الأنبياء والأولياء، وهو الوحي والإلهام، فالوحي للأنبياء والإلهام والكشف للأولياء فإنه قد كشفت لهم حقائق الأشياء كما هي عليها، وشاهدوها بالبصيرة الباطنة كما تشاهد أنت المحسوسات بالبصر الظاهر، فيخبرون عن مشاهدة لا عن سماع وتقليد، ولا تظنن أن معرفة النبي (ص) لأمر الآخرة ولأمور الدين مجرد تقليد لجبرئيل بالسماع منه، كما أن معرفتك لها تقليد للنبي، هيهات! فإن الأنبياء يشاهدون حقائق الملك والملكوت، وينظرون إليها بعين البصيرة واليقين، وإن أكد ذلك بإلقاء الملك والسماع منه.
وأما المغرورون بالله، وهم الذين يقدرون في أنفسهم ويقولون بألسنتهم:
أن كان لله معاد فنحن فيه أوفر حظا وأسعد حالا من غيرنا كما أخبر الله - سبحانه - عن قول الرجلين المتحاورين، إذ قال:
(وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا) (11) وباعث ذلك: ما ألقى الشيطان في روعهم من نظرهم مرة إلى نعم الله عليهم في الدنيا فيقيسون عليها نعمة الآخرة وينظرون إلى تأخير الله العذاب عنهم فيقيسون عليه عذاب الآخرة، كما قال الله - تعالى -:
(ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم يصلونها فبئس المصير) (12).
ومرة ينظرون إلى المؤمنين وهم فقراء محتاجون، فيقولون: لو أحبهم الله لأحسن إليهم في الدنيا ولو لم يحبنا لما أحسن إلينا فيها، فلما لم يحسن