أحب إنسانا أحب أولاده، أشد حمقا من المغرور بالله، لأن الله - سبحانه - يحب المطيع ويبغض العاصي من غير ملاحظة لآبائهما، فكما أنه لا يبغض الأب المطيع ببغضه للولد العاصي فكذلك لا يحب الولد العاصي بحبه للأب المطيع، وليس يمكن أن يسري من الأب إلى الابن شئ من الحب والبغض والمعصية والتقوى، إذ لا تزر وازرة أخرى، فمن زعم أنه ينجو بتقوى أبيه، كان كمن زعم أنه يشبع بأكل أبيه، أو يصير عالما بتعلم أبيه، أو يصل إلى الكعبة بمشي أبيه، فهيهات هيهات! إن التقوى فرض عين على كل أحد، فلا يجزى والد عن ولده شيئا، وعند الجزاء يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، ولا ينفع أحد أحدا إلا على سبيل الشفاعة، بعد تحقيق شرائطها.
ثم العصاة المغرورن، أما ليست لهم طاعات، فتمنيهم المغفرة غاية الجهل - كما مر -، أو لهم طاعات ولكن معاصيهم أكثر، وهم عالمون بأكثرية المعاصي، ومع ذلك يتوقعون المغفرة وترجح حسناتهم على سيئاتهم، وهو أيضا غاية الجهل، إذ مثله مثل من وضع عشرة دراهم على كفة ميزان وفي الكفة الأخرى ألفا أو الفين، وتوقع أن تميل الكفة الثقيلة بالخفيفة، ومن الذين معاصيهم أكثر من يظن أن طاعاته أكثر من معاصيه، لأنه لا يحاسب نفسه ولا يتفقد معاصيه، وإذا عمل طاعة حفظها واعتد بها، كالذي يحج طول عمره حجة ويبني مسجدا، ثم لا يكون شئ من عباداته على النحو المطلوب، ولا يجتنب من أخذ أموال المسلمين، فينسى ذلك كله ويكون حجه وما بناه من المسجد في ذكره، ويقول: كيف يعذبني الله وقد حججت وبنيت مسجدا وكالذي يسبح الله كل يوم مئة مرة ثم يغتاب المسلمين ويمزق أعراضهم ويتكلم بما لا يرضاه الله طول نهاره من غير حصر وعدد، ويكون نظره إلى عدد سبحته مع غفلته عن هذيانه طول نهاره الذي لو كتبه لكان مثل تسبيحه مائة مرة، وقد كتبه الكرام الكاتبون، فهو يتأمل دائما في فضيلة التسبيحات، ولا يلتفت إلى ما ورد في عقوبة الكذابين والمغتابين والنمامين والفاحشين، ولو كان كتبة أعماله يطلبون منه أجرة الزايد من هذيانه على تسبيحاته، لكان عند ذلك يسعى في كف لسانه