ولم يقل: قد أفلح من علم طريق تزكيتها.
ثم من هذه الطائفة فرقة متصفة برذائل الأخلاق والغرور، أدى بهم إلى حيث ظنوا أنهم منفكون عنها، وأنهم أرفع عند الله من أن يبتليهم بها، وإنما يبتلي بها العوام دون من بلغ مبلغهم في العلم. ثم إذا ظهرت عليه مخايل الكبر والرئاسة وطلب العلو والشرف قال: ما هذا تكبرا، إنما هو طلب إعزاز الدين، وإظهار شرف العلم، وإرغام أنف المخالفين. ومهما ظهرت منه آثار الحسد، وأطلق لسانه بالغيبة في أقرانه ومن رد عليه شيئا من كلامه، لم يظن بنفسه أن ذلك حسد، بل يقول: أن هذا غضب للحق ورد على المبطل في عداوته وظلمه، مع أنه لو طعن في غيره من أهل العلم، ورد عليه قوله، ومنع من منصبه، لم يكن غضبه مثل غضبه الآن، بل ربما يفرح به، ولو كان غضبه للحق لا للحسد على أقرانه وخبث باطنه، لاستوى غضبه في الحالين. وإذا خطر له خاطر الرياء قال: غرضي من إظهار العلم والعمل اقتداء الخلق بي، ليهتدوا إلى دين الله ويتخلصوا من عقاب الله.
ولا يتأمل المغرور أنه ليس يفرح باقتداء الناس بغيره كما يفرح باقتدائهم به، ولو كان غرضه صلاح الخلق لفرح بصلاحهم على يد من كان، وربما يتذكر هذا ومع ذلك لا يخليه الشيطان، بل يقول: إنما ذلك لأنهم إذا اهتدوا بي كان الأجر والثواب لي، ففرحي إنما هو بثواب الله لا بقبول الخلق، هذا ما يظن بنفسه، والله مطلع على سريرته، إذ ربما كان باطنه في الخباثة بحيث لو علم قطعا بأن ثوابه في الخمول وإخفاء العلم والعمل أكثر من ثوابه في الإظهار، لاحتال مع ذلك في إظهار رئاسة، من تدريس أو وعظ أو إمامة أو غير ذلك. وإذا كان بحيث يدخل على السلاطين والأمراء الظلمة ويثني عليهم ويتواضع لهم، وخطر له أن مدحهم والتواضع لهم حرام، قال له الشيطان: أن ذلك عند الطمع في مالهم، وغرضك من الدخول عليهم دفع الضرر عن المسلمين دون الطمع، والله يعلم من باطنه أنه لو ظهر لبعض أقرانه قبول عند ذلك السلطان، وكان بحيث يقبل شفاعته في كل أحد، وهو لا يزال يستشفع ويدفع الضرر عن المسلمين، يثقل ذلك عليه، بحيث لو قدر أن يقبح حاله عند السلطان لفعل. وربما انتهى الغرور في بعضهم