إلى أن يأخذ من أموالهم المحرمة، وإذ خطر له أنها حرام، قال له الشيطان:
هذا مال مجهول المالك يجب أن يتصدق به أمام المسلمين وأنت إمامهم وعالمهم، وبك قوام دين الله، فيحل لك أن تأخذ منها قدر حاجتك وتصرف الباقي على مصالح المسلمين، فيغتر بهذا التلبيس، ولا يزال يأخذها من غير أن يبذل شيئا منها في مصرف غيره. وربما انتهى الغرور في بعضهم إلى حيث أنه إذا حضرت مائدتهم وأكل طعامهم وقيل له: إن هذا لا يليق بمثلك.
قال: الأكل جائز بل واجب، إذ هذا مال لا يعلم مالكه، فيجب التصدق له على الفقراء، ويجب على مثلي بقدر القوة والاستطاعة أن يجتهد في استخلاصه من يد الظالم وإيصاله إلى أهله - أعني الفقراء - وأكلي منها نوع قدرة على استخلاصه، فآكل منه وأتصدق بقيمته على الفقراء، والله يعلم من باطنه أنه لا يتصدق بقيمته ولا يعتقد بحقيقة ما يقول، وإنما هو تلبيس ألقاه الشيطان في روعه، لئلا يضعف اعتقاد العامة في حقه، وربما كان بحيث لا يبالي من أخذ مالهم وأكل طعامهم خفية، ولو علم أنه يطلع عليه واحد من صويلح العامة المعتقدين به، امتنع منه غاية الامتناع. وربما كان بعضهم في الباطن مائلا إلى الدخول على السلاطين والأمراء وتاركا له في الظاهر، وكان الباعث في ذلك طلب المنزلة في قلوب العامة، ومع ذلك يظن أن الاجتناب عنهم عين ورعه وتقواه. وربما كان بعضهم إمام قوم يظن أنه على خير وباعث لترويج الدين وإعلاء الكلمة ومقيم بشعار الإسلام، ومع ذلك لو أم غيره ممن هو أعلم وأورع منه في مسجده، أو يتخلف بعض من يقتدي به عن الاقتداء به، قامت عليه القيامة، وربما لم يكن باعثه على الحركة إلى المسجد للإمامة مجرد التقرب والامتثال لأمر الله، بل كان الباعث محض حب الجاه والرياسة واعتقاد العامة، أو مركبا منه ومن نية الثواب. وربما أتخذ بعضهم الإمامة شغلا ووسيلة لأمر المعاش، ومع ذلك يظن أنه مشتغل بأمر الخير، والظاهر في أمثال زماننا ندور الإمام الذي كان قصده من الإمامة مجرد التقرب إلى الله، من دون وجود شئ من حب طلب المنزلة في القلوب، أو تحصيل المال، أو دفع بعض الشرور عن نفسه في زوايا قلبه، ولو وجد مثله فهو القدوة الذي يجب أن تشد