ذكر الأستاذ العلامة دام ظله إلى أن وجوب سماع الدعوى على الحاكم هل هو مقدمة لانقاذ حق المدعي والحكم والالزام على طرق دعواه فحيث إنه تعذر في المقام لان الالزام بالمجهول من حيث هو مجهول غير ممكن حسبما يعترف به الخصم أيضا فلا يجب سماعها حينئذ لارتفاع وجوب المقدمة بتعذر ذيها وان ترتب عليها ثمرة أخرى أو هو مقدمة لترتب فائدة على الدعوى وإن لم تكن هو الحكم على طبقها بل فائدة أخرى غيره كالاقرار من المدعى عليه أو الاخذ بالقدر المتيقن إلى غير ذلك فيجب سماعها حينئذ من حيث امكان حصول تلك الفائدة.
وحيث كان مبنى القولين في المسألة على ما ذكر فلا يبعد ترجيح الأول والذهاب إليه لأن الظاهر من أدلة نصب القضاة هو كونها منصوبة لأجل فصل الخصومة بين الناس والحكم على طبق دعوى المدعى وإلزام - المدعى عليه بالخروج عن عهدة حق المدعي وأما إقرار المدعى عليه بالحق فهو ليس مما شرع له القضاء والحكم وليس سماع الدعوى واجبا على الحاكم من جهة احتمال حصوله من المدعى عليه لان المقر بنفس اقراره يرفع - الخصومة ويفصل الامر وليس هو مما شرع القضاء له وأما ما يذكرونه كثيرا في كلماتهم من أن جواب المدعى عليه إما اقرار أو انكار فإن كان الأول فعليه كذا وإن كان الثاني فكذا فإنما هو تسامح منهم في المقام ليس في محله لان الاقرار من حيث اقرار ليس مما شرع له الحكم بل هو بنفسه رافع لموضوع الحكم ففي صورة الاقرار لا يتصور دعوى حتى يتكلم عن حكم الحاكم فيها نعم لو ادعى المقر بعد الاقرار أداء الحق وامتنع عنه وأنكره المقر له فيرجع إلى دعوى أخرى لا دخل لها بدعوى أصل الحق والحاصل ان الحكم الذي هو شأن القاضي ووجب السماع مقدمة له لا بد من أن يكون فيما كان هناك دعوى وخصومة بين الشخصين أمكن الحكم والالزام على طبق الدعوى وأما مجرد ترتب فائدة على السماع وإن لم تكن هو الالزام على طبق الدعوى فمما لم يشرع له نصب القضاة أصلا وبعبارة أخرى أوضح وظيفة الحاكم ليست إلا استعداء المواعد ورفع الظلم والعدوان عنه بإلزام خصمه بالخروج عن حقه ولهذا عنون جماعة منهم العلامة في القواعد هذا الكتاب بكتاب الأعداء والاستعداء فالذي صار سماع الدعوى واجبا لأجله هو هذا وليس وظيفته الجلوس في مجلس القضاء ليقرأ المنكر أو يسمع الدعوى لأجل أن يترتب عليه فايدة غير إلزام المنكر على طبق الدعوى ومنه يظهر فساد ما ذكره شيخنا الشهيد في مسالك الأفهام بعد ترجيح القول بالسماع من أن الحكم يتبع الدعوى وأما تعيين الدعوى فهو أمر آخر وراء الحكم على ثبوت المدعى به توضيح الفساد انك قد عرفت أن وظيفة الحاكم ليست إلا إلزام المدعى عليه بالحق واستنقاذ حق المدعى عنه والمفروض انه غير ممكن في المقام باعتراف الخصم وأما الحكم على ثبوت الدعوى على ما هي عليه مع عدم امكان إلزام - المدعى عليه بها فلم يدل عليه دليل أصلا وان احتمل اقرار المدعى عليه بالحق أو قيام البينة على التعيين لأنك قد عرفت أن ذلك ليس من غاية الحكم وإنما هو من فوايده الغير الموجبة لتشريعه.
ثم انك بالتأمل فيما ذكرنا تقدر الوقوف بفساد أدلة المثبتين لكن لا بأس بأن نشير إليه إجمالا حتى يصير سببا لتوضيح المرام وتنقيح المقام وموجبا لعدم وقوع غيرهم في تلك الشهبة فنقول أما الجواب عما دل على الحكم بالبينة والايمان الشامل باطلاقه للمقام حسبما يدعيه الخصم أو الحكم بالحق بين الناس المدعى دلالته على وجوب السماع فيما نحن فيه فهو انها (فبأنها خ) إطلاقات واردة في مقام بيان قضية مهملة لم يقصد منها إلا بيان ان البينة واليمين شرعتا لاحقاق الحق بهما في الجملة وليست هي في مقام بيان انهما في أي مورد أو في أي شئ أو في حق أي شخص فهي بالنسبة إلى الخصوصيات مجملة مهملة لا دلالة لها فيها أبدا فتأمل.