في المقام بين الشبهة الموضوعية والحكمية.
ونحن نورد أولا ما ذكروه وجها للقولين في المقام ثم نعقبه بذكر ما يقتضيه النظر الثاقب ولابد قبل ذكر وجوه القولين من نقل ما ورد في الباب من الاخبار وبيان ما يستفاد منها لعله تزول ببركتها الشبهات الحادثة في هذا المضمار بل في باب التقليد أيضا فنقول ما ورد في الباب مما له تعلق بالمقام ويمكن استفادة حكمه منه اخبار.
منها مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة المروية في الأصول المعتبرة قال سئلت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا تكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك فقال (عليه السلام) من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت فإذا حكم له (وما يحكم له خ) فإنما يأخذه سحتا وإن كان حقه ثابتا لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله تعالى أن يكفر به قلت فكيف يصنعان قال (عليه السلام) ينظران إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضيا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا الراد على الله و هو على حد الشرك بالله قلت فإن كان كلواحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما به وكلاهما اختلفا في حديثكم فقال (عليه السلام) الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر قال فقلت فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه قال (عليه السلام) ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمهما ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه الحديث.
ومنها ما عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رواية أبي خديجة إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى حكام الجور ولكن انظروا إلى رجل يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم قاضيا فإني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه.
ومنها منا عن أبي خديجة أيضا قال بعثني أبو عبد الله (عليه السلام) إلى أصحابنا فقال (عليه السلام) قل لهم إياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو ترادى في شئ من الاخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق اجعلوا بينكم رجلا ممن قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته قاضيا وإياكم أن يتحاكم (يخاصم خ) بعضكم بعضا إلى السلطان الجائر.
ومنها ما عن داود بن الحصين في رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه اختلاف فرضيا بالعدلين واختلف العدلان بينهما عن قول أيهما يمضي الحكم فقال (عليه السلام) ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا و أورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر.
ومنها ما عن النميري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن رجل تكون بينه وبين أخ له منازعة في حق فيتفقان على رجلين يكونان بينهما حكما فاختلفا فيما حكما قال (عليه السلام) وكيف يختلفان قلت حكم كل واحد منهما للذي اختاره من الخصمين فقال (عليه السلام) ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله فيقضى حكمه إلى غير ذلك من الروايات.
ثم إنه لا تأمل ولا إشكال في دلالتها على نصب كل من كان من الامامية فقيها عدلا للقضاء بين الناس إلى يوم انقضاء التكليف سواء كان في أزمنة حضورهم (عليهم السلام) أو غيبتهم فإن لهم صلوات الله عليهم ذلك وهذا معنى قولهم اعطاء الولاية يشبه اعطاء ولاية الوصاية فلا يرتفع برحلة الإمام (عليه السلام) كما أن لهم (عليهم السلام) الاذن والتوكيل في القضاء لشخص أو أشخاص معينة فينعزلون بموت الإمام (عليه السلام) كما هو الشأن في كل ما كان علته حدثا وبقاء