ربما يقال بأن اتفاق كلمتهم على وجوب القضاء عقلا من حيث توقف حفظ نظام العالم المطلوب لخالقه من باب وجوب اللطف عليه تبارك وتعالى شأنه ينافي كونه منصبا للخليفة فإن الظلم من شيم النفوس البشرية وإن كان مما يستقل العقل بقبحه فلا بد من حاكم ينتصف من الظالم للمظلوم وما قيل من أن كونه واجبا على الكفاية لا ينافي كونه منصبا ومتوقفا على اذن خليفة الله تعالى كما في غسل الميت وتجهيزه حيث إنهما مع وجوبهما على الكفاية يتوقفان على اذن ولي الميت ربما ينظر فيه بأن الخطاب في غسل الميت مثلا إنما تعلق أولا بجميع المكلفين غاية ما هناك كون الاستيذان من الولي عند التمكن شرطا لصحة العمل ممن يقوم به وإن استشكل في اعتبار اذن الولي بل منعه بعض الفقهاء مع الالتزام بالوجوب على الكفاية من جهة التنافي بينهما وهذا بخلاف المقام فإن كون القضاء منصبا للخليفة بحسب الجعل الأولي لا يجامع كونه على الكفاية وحمل كلامهم على صورة اذنه لعنوان عام أو نصبه (عليه السلام) له بحيث ينطبق على الواجب الكفائي كما ترى كحمله على عدم إرادة الواجب الكفائي بالمعنى المصطلح من اطلاقه في المقام بل ما يشابهه من حيث حصول الغرض منه من السياسة بقيام من به الكفاية ممن نصبه الخليفة ودفع هذا الاشكال كما ترى في غاية الاشكال وأشكل منه دفع الاشكال الأول نعم ثبوته في حكم العقل من حيث السياسة النوعية لا ينافي كونه منصبا للولي الذي كان غاية لخلق العالم كما هو ظاهر.
الثاني أن لا إشكال بل لا خلاف في أن مقتضى الأصل والقاعدة الأولية على القول بكون القضاء منصبا هو البناء على عدم الثبوت عند الشك في أصله أو بعض خصوصياته وضعا بل تكليفا أيضا بل الامر كذلك على القول بعدمه أيضا بحسب الحكم الوضعي بل التكليفي أيضا لأن جواز إلزام الناس على ما لا يقتضيه تكليفهم نوع سلطنة عليهم ينفى بدليل نفي السلطنة لاحد على أحد إلا من كان أولى من أنفس الناس بهم.
كما أنه لا إشكال بل لا خلاف أيضا في أن مقتضى الأصل الأولي عند الشك في التقليد على أحد الوجهين البناء على عدم جوازه من حيث كونه مقتضى الأصل في كل ما شك في طريقيته واعتباره شرعا بالنظر إلى الأدلة الأربعة حسبما فصل حقه في محله لكنه كما ترى لا تعلق له بالأصل في المقام أصلا.
الثالث انك قد عرفت في مطاوي ما ذكرنا في المراد من القضاء وللحكم في المقام عدم تعلق له أصلا بمسألة التقليد وبيان الحق للناس والامر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يجوز التمسك في شئ من مسائل الباب بما ورد من العمومات والاطلاقات في البابين فما في كلام بعض مشايخنا في شرحه على ئع من التمسك بما ورد في البابين في المقام لا يخلو عن المناقشة فإن الالزام بما لا يقتضيه تكليف الناس المراد بالقضاء لا تعلق له بإلزامهم بما يقتضيه تكليفهم الذي يراد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما أنه لا تعلق له بالاخبار عن الحكم الواقعي على وجه الافتاء للناس وبيان الحق لهم على وجه النقل عن المعصوم ضرورة رجوعهما إلى الاخبار عن الحكم الواقعي الذي لا ربط له بالحكم بمعنى الانشاء والالزام بالحق فافهم ولا تغفل.
الرابع انه لا إشكال في أن مقتضى عمومان نصب الحكام من الأئمة (عليهم السلام) فيما كان هناك عموم أو اطلاقاته فيما كان هناك اطلاق على ما ستقف على شرح القول فيه ثبوت ولاية القضاء للمفضول كثبوتها للفاضل من غير فرق بينهما حتى فيما إذا اختلفا بحسب الرأي في الشبهات الحكمية لان نصب كل منهما يجامع الاختلاف والاتفاق معا من دون تفاوت بينهما حيث إن من باب اعطاء الولاية بل الامر كذلك عند التحقيق والنظر الدقيق على القول بكون القضاء للحكام منصبا إلهيا ابتدائيا لهم من دون توسيط نصب الولي فإن ما ذكرنا من عدم الفرق بين الفاضل والمفضول مترتب على كون القضاء بمعنى الولاية الخاصة على ما قضت به كلماتهم في بيان المراد منه في أول