ابتداء مع الخلاف أو مطلقا فممنوعة كل المنع انتهى كلامه رحمه الله وهذا كما ترى يحتمل معنيين أحدهما ما عرفت من ثبوت الترجيح بعد الرجوع إلى شخصين في قضية جزئية وهذا غير الترجيح في كلي الواقعة من أول - الامر وابتداء ثانيهما الالتزام بالترجيح في قاضي التحكيم فيما إذا حكم الخصمان رجلين فصاعدا فاتفق الاختلاف بينهما هذا المعنى كما ترى أردأ من سابقه لانقطاع التحكيم بعد ورود المقبولة وأشباهها من عمومات النصب كما هو واضح.
وأما الاحتمال الأول فيتوجه عليه ان تعين الترجيح عند الاختلاف في كلي الواقعة أوجب الاخذ بالراجح في شخص الواقعة المختلف فيها لا ان الرجوع الفعلي صار سببا لذلك كما هو ظاهر واضح ويتوجه عليه مضافا إلى ما عرفت أن سوق التقليد مساق الحكم في الرجوع إلى عمومات البابين والحكم بالتخيير بين الفاضل والمفضول قد أسمعناك ما فيه من الفرق بين عمومات البابين وعدم إمكان التمسك بعمومات التقليد واعتبار الفتوى لاثبات التخيير بين الرأيين المختلفين في المسألة من المجتهدين بل لا بد له من التماس دليل من خارج وهذا بخلاف عمومات نصب القضاة فإن مقتضاها على ما عرفت حتى صدر المقبولة نصب كلواحد ممن اجتمع فيه شوائط النصب حتى في صورة الاختلاف في الرأي هذا.
وهنا معنى ثان للمقبولة تنطبق بملاحظته مع مرفوعة زرارة الواردة في باب تعارض الخبرين صدرا وذيلا وهو حمل الحكم فيها على نقل كل منهما الحديث المتضمن لحكم الواقعة التي اختلف فيها الرجلان وإن اعتقد كل من الفقيهين مضمون ما رواه إلا أن الرجوع إليه إنما هو من حيث كونه راويا لا مفتيا ولا حاكما ويرشد إليه الترجيح بالأصدقية فيها فإنه لا معنى له إلا مع هذا المعنى فتكون الأوصاف المذكورة فيها من مرجحات الرواية كالمرفوعة وما قيل كما لا يأبى عنه كلام شيخنا العلامة قده في الرسالة التي أملاها في التقليد من عدم منافاة الترجيح بالأصدقية بمعنى شدة الملكة كشدة سائر الملكات لترجيح الفتوى المستندة إلى الروايات في تلك الأزمنة ضعيف وإن كان ممكنا لعدم التزامهم به في ظاهر كلماتهم في باب التقليد فراجع و تدبر هذا بعض الكلام في فقه المقبولة.
وأما غيرها مما عرفت من أخبار الباب الظاهرة في التفصيل والترجيح عند اختلاف الحكمين في الرأي فالظاهر انطباقها مع المقبولة من حيث كون النزاع من جهة الجهل بالمسألة والرجوع إلى العدلين من جهة رفع الجهل فالمراد من الحكم الذي اختلف فيه العدلان هو المجعول للقضية المنطبق على الفتوى لا الحكم بمعنى الانشاء والالزام فلا تنطبق على المقام كالمقبولة وحمله على بيان المرجع للقضاء فيما إذا علم اختلاف المجتهدين في الرأي بالفحص قبل الرجوع أو بعده بجعله كاشفا عن تحقق الاختلاف وعدمه لا أن يكون في نفسه جائزا حتى ينافي قواعد القضاء الغير المجامعة لتعدد الحكومة كما ترى فمفاده كالمقبولة لزوم الترجيح بالأوصاف في باب التقليد لا القضاء ودعوى عدم الفصل بين البابين قد عرفت ما فيها.
هذا بعض الكلام فيما ورد من الاخبار وبيان المراد منها وإذ قد عرفت ما يستفاد منها فلنصرف العنان إلى ما عاهدنا من ذكر وجوه أقوال المسألة.
فنقول استدل للقول بتعين قضاء الأعلم بوجوه الأول الأصل حيث إن مقتضاه سيما على القول بكون القضاء منصبا حسبما يقتضيه كلامهم ودل عليه غير واحد من الاخبار على ما أسمعناك عدم جواز قضاء المفضول وعدم نفوذه ولا يزاحمه استصحاب جوازه فيما فرض سبق التفاوت بالفضل بالعلم بالتسوية المتمم بعدم الفصل في غير الفرض