الأول انه لا خلاف ظاهرا في كون القضاء والحكم اللذين يراد بهما الالزام بما يقتضيه تكليف الملزم في مرحلة تكليفه ولو ظاهرا بحسب جعله الأولي من مناصب خليفة الله على خلقه ومن أغصان ولايته المطلقة العامة فلا يجوز التعرض لغيره له إلا بإذنه أو نصبه خصوصا أو عموما ويدل عليه مضافا إلى الاجماع الظاهر والمنقول المعتضد بالشهرة المحققة العظيمة الكتاب والسنة.
أما الأول فيدل عليه منه قوله تبارك وتعالى يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق فإن التفريع في الآية الشريفة له دلالة ظاهرة على ذلك فتدبر ومثله قوله تبارك وتعالى إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله وقوله تعالى وإذا تنازعتم في شئ الآية إلى غير ذلك.
وأما الثاني فيدل عليه منه أخبار كثيرة بالغة حدا الاستفاضة فيها الصحاح وغيرها ونحن نذكر شطرا منها مما له دلالة واضحة على ذلك بإسقاط السند اختصارا منها ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لشريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي ومنها ما عن الصادق (عليه السلام) اتقوا الحكومة إنما هي للامام والعالم بالقضاء العادل بين المسلمين كنبي أو وصي ومنها مقبولة عمر بن حنظلة الآتية ومنها رواية أبي خديجة الآتية إلى غير ذلك من الاخبار الظاهرة في ذلك وإن كان أصل سوقها لبيان مطلب آخر كالروايتين الأخيرتين.
فبالجملة لا إشكال في كون القضاء من توابع الرياسة العامة الكلية الإلهية عندهم بالنظر إلى ما عرفت وهذا بخلاف الافتاء للناس وبيان الحق لهم أو بيان ما يرجح في نظر المفتى لهم لاخذهم به في مقام العمل فإنها ليست من فروع النبوة والرياسة الكلية الإلهية بل هي واجبة عليه بجعل أولي إلهي من غير توقف على نصب الولي وإن كان أصل ثبوتها في الشرع ببيانه كثبوت أكثر الاحكام والأصل فيها عدم المشروعية فيما شك فيه من جهة خصوصيات المفتي والمحل وغيرهما كما هو الشأن في القضاء أيضا على ما ستقف عليه فالافتاء نظير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الراجعين إلى إلزام الناس بما يقتضيه تكليفهم عند الخاصة القائلين بعدم كونه من توابع الرياسة العامة وخصائصها فليكن هذا في ذكر منك لينفعك فيما سنورده عليك في مطاوي الكلام في المسألة نعم ربما يستشكل فيما ذكرنا في حكم القضاء وكونه منصبا إلهيا للولي بحيث لا يجوز التصدي لغيره له إلا بعد الرجوع إليه والاستيذان منه أو نصبه خصوصا أو عموما من وجهين.
أحدهما انه ينافي ما تسالموا عليه في ظاهر كلماتهم من ثبوت قاضي التحكيم في أزمنة الحضور في الحملة كما استظهر من جملة من الاخبار أيضا وإن كان في دلالتها نظر ظاهر وإن التجويز في زماني الحضور والغيبة بعد ورود الدليل على النصف بعنوان العموم مثل مقبولة ونحوها ضرورة ان توقف جواز تصدي القضاء على الاذن أو النصب ينافي ثبوت مشروعية قاضي التحكيم وجواز الرجوع إليه ونفوذ حكمه ولو في الجملة لدلالة مشروعيته على كونه حكما إلهيا.
والقول بأن جواز القضاء للقاضي فيما تراضى الخصمان على الرجوع إليه وفي هذه الصورة الخاصة لا ينافي كون القضاء بحسب الأصل منصبا إلهيا للنبي والوصي بحيث لا يتوقف نفوذه منهما وممن نصباه على التراضي من الخصمين أصلا شطط من الكلام.
ثانيهما ان ما ذكر ينافي ما قضت به كلماتهم ونادى به صريح مقالتهم من كون القضاء واجبا على الكفاية على ما في محكي التحرير وغيره من كتب القوم بل في الرياض نفي الخلاف فيه بيننا ضرورة منافاة وجوبه على الكفاية على جميع من اجتمع فيه شرائط القضاء من الأمة لكونه منصبا إلهيا مختصا بالخليفة بل