تاريخ اليعقوبي وابن طباطبا كتاريخ الطبري وابن الأثير فهل يرى إن ما فيها من فضائح الدولتين وقبائحهما وظلمهما ينقص عما ذكره اليعقوبي وابن طباطبا كلا بل يزيد وأي فعل يزيد على أن يعلق الخليفة اللاحق أم الخليفة السابق برجليها ويضربها على المواضع الغامضة ليستخرج منها الأموال كما فعل القاهر ولكن المرء متى جعل لنفسه خطة إنه لا بد أن يتفلسف في التاريخ ويستخرج منه غوامض فلا بد ان يقع في مثل هذا.
قال (1): وإلى ذلك رووا الروايات الكثيرة في فضل علي وآل علي ورفعوا من شأن الأئمة إلى ما يقرب من التقديس. وكان الأولى لهم أن يقتصروا على فضائلهم الثابتة.
ونقول: أولا علي وآل علي كانوا في الدولتين لا يجسر أحد أن يروي لهم فضيلة بل في الدولة الأموية كان لا يجسر أحد ان يسمي بأسمائهم فمتى كان الشيعة يقدرون على رواية فضائلهم الثابتة فضلا عن غيرها. ومن خوارق العادات ان يوجد لهم في الدنيا فضيلة تذكر، فقوم تعاقبت على عداوتهم ومحو فضلهم الدول الغاشمة نحو ستمائة سنة بل وإلى اليوم لا تجري عادة بان تنقل لهم فضيلة أو يذكرهم أحد بخير.
ثانيا شأن علي وآله رفيع في نفسه مقدس من ربه بما رواه ونقله المخالف قبل المؤالف لا يحتاج إلى رفع الشيعة وتقديسهم ولا حاجة بهم إلى أن يضيف أحد إلى فضائلهم الثابتة فضائل غير ثابتة ولعل ما لم ينقل من فضائلهم الثابتة خوفا أو حسدا شئ كثير. ولكن أقواما نظروا إليهم فاستعظموا واستكبروا ما يذكر من فضلهم.
قال: وأضافوا أساطير حول آيات من القرآن الكريم كما فعلوا عند قوله تعالى: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا فقد رووا عن ابن عباس والرواية عن ابن عباس لها مغزاها إن الحسن والحسين مرضا وذكر تمام الرواية الدالة على أن الآية نزلت في أهل البيت ع.
ثم قال: وذكر الترمذي وابن الجوزي ان الخبر موضوع وآثار الوضع ظاهرة عليه لفظا ومعنى.
ونقول: هذا الخبر ذكره الزمخشري في الكشاف وقال السيوطي في الدر المنثور: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه الآية قال نزلت في علي وفاطمة وقال الواحدي في أسباب النزول قال عطاء عن ابن عباس إنها نزلت في علي مع اختلاف في الألفاظ وسواء أ صح هذا الحديث أم لم يصح فالذين رووا هذا الحديث ليسوا هم الشيعة وسواء أ كانت روايته عن ابن عباس لها مغزاها أم لم يكن لها مغزى فالشيعة لم يضيفوا أساطير حول آيات من القرآن في حق علي وآل علي ففضائلهم الكثيرة المستفيضة تغنيهم عن الإضافة ولكن من في نفسه أمر لا يتأخر عن الاستشهاد له في كل مناسبة بما يشهد وما لا يشهد.
قال: (2) وهكذا ضاعت معالم الحق بين العصبية العباسية والعصبية العلوية وصعب على المؤرخ الصادق النزيه أن يصل إلى الحقيقة.
ونقول: معالم الحق ظاهرة بينة لا يمكن ان تضيع بين العصبيتين لمن إهتدى بنور البصيرة وهل يمكن لمؤرخ عنده شئ من الإنصاف أن يقيس بني العباس بال علي بل الحق إن معالم الحق ضاعت بسبب التعصب على الشيعة وصعب على كثير من المؤرخين الصادقين النزيهين أن يصلوا إلى الحقيقة ولكن الشمس مهما خفيت عن عين أو عيون لا بد ان تراها عين أو عيون أخرى.
وقال (3) ما حاصله: إن مسالة التحسين والتقبيح العقليين لها اتصال كبير بمسألة الرأي والقياس وإن في نظره أنهما مسألتان متساندتان فمن كان يقول بالتحسين والتقبيح يرى العمل بالرأي والقياس ومن لا فلا.
ونقول: لا ربط لأحدى المسألتين بالأخرى ولا تساند بينهما فان جميع من نفى التحسين والتقبيح وهم الأشاعرة قال بالقياس وعلى موجب قوله يلزم أن لا تقول الأشاعرة بالقياس وكلها قائلة به والشيعة تقول بالتحسين والتقبيح وتنفي القياس. والقول بالقياس مستند إلى أدلة معلومة لا تعلق لها بالتحسين والتقبيح والقول بنفي القياس مستند إلى عدم الدليل. نعم من نفى التحسين والتقبيح ومن نفى القياس كلاهما يستدلان بانا نرى الشريعة قد فرقت بين المتماثلين وجمعت بين المختلفين وهذا لا يوجب ان يكون من قال بالقياس أخذه من القول بالتحسين والتقبيح كما لا يخفى.
وقال: (4) اختلف المسلمون بعد مقتل عثمان وانقسموا احزابا وهي في الواقع أحزاب سياسية فحزب يرى أن عليا أولي بان يكون خليفة.
وحزب يرى أن معاوية هو الذي يحقق هذا الغرض. وحزب يرى أن لا حاجة إلى الخلافة. وحزب محايد إلى أن قال ولكن رأينا في ذلك العصر أن الحزب الأول تسمى الشيعة والثاني الأمويين والثالث الخوارج والرابع المرجئة.
ونقول: ان المسلمين بعد مقتل عثمان بايعوا عليا بيعة يرونها دينية كما كان يراها من قبلهم ولكن عليا كان وتر الناس وتأصلت العداوة له بذلك في قلوب الكثيرين وفاق بفضله فامتلأت النفوس حسدا له سنة الكون فلم يبايعه بعض الصحابة لشئ من ذلك أو نحوه فلم يجبرهم واجتمعت أم المؤمنين مع طلحة والزبير وابنه على السعي في هدم خلافته، أما أم المؤمنين فتريد الخلافة لابن عمها طلحة التيمي كما يشير إليه قولها لما بلغها قتل عثمان ايه ذا الإصبع وكان ذلك هو الباعث لها على التحريض على عثمان في حياته والطلب بثاره بعد قتله والزبير أفسد رأيه في علي ابنه وأطمع الاثنين في الخلافة أمر الشورى. واغتنم معاوية فرصة قتل عثمان الذي كان قد شحذ هو مدية قتله ليستغله عند سنوح الفرصة ومعاوية لم يكن أحد يراه انه يحقق الغرض المقصود من الخلافة وإنما تغلب عليها بما لا يرضاه الدين والحزب الذي جعله الأول ان صح لنا أن نسميه حزبا كانوا يسمون العلوية لا الشيعة والثاني العثمانية لا الأمويين. والخوارج كانت نزعتهم دينية صرفة لا سياسية ولكنهم دعموها بالسيف وهم قد نشأوا بعد حرب صفين والمرجئة نزعتهم دينية لا سياسية فالذي يصح ان يسمى حزبا سياسيا هو حزب أصحاب الجمل ولم يعده في الأحزاب وحزب معاوية. وبعد فعد الشيعة حزبا سواء أ كان دينيا أم سياسيا ليس بصواب كما لا يصح عد المسلمين حزبا في مقابل الموسوية والمسيحية.
وذكر (5) لتشيع الموالي والفرس أسبابا:
1 تشيع كثير من الموالي لأنهم رأوا حكم الأمويين مصبوغا