فليرجع إليها من أراد، ونعيد هنا ما له تعلق بعلي ع بشئ من الاختصار وإن لزم بعض التكرار من دون ذكر المصادر لأنها تقدمت.
وبعد ما استقرت قدم علي ع بالمدينة ونزل مع النبي ص في دار أبي أيوب الأنصاري كان من اللازم أن يقترن بزوجة وكان على النبي ص أن يزوجه فهو شاب قد بلغ العشرين أو تجاوزها. والتزوج من السنة ومن أحق من النبي وعلي صلوات الله عليهم باتباع السنة، ومن هي هذه الزوجة التي يخطبها علي ويقترن بها، ومن هي هذه الزوجة التي يختارها له النبي ص ويقضي بذلك حقه وحق أبيه أبي طالب؟ ليست الا ابنة عمه فاطمة، فلا أكمل ولا أفضل منها في النساء، ولا أكمل ولا أفضل من علي في الرجال، إذا فتحتم على علي أن يختارها زوجة وعلى الرسول ص أن يختارها له، ولذلك قال النبي ص لولا علي لم يكن لفاطمة كفؤ. ولكن النبي ص عند دخوله المدينة كان قد نزل في دار أبي أيوب الأنصاري وكان علي معه فيها كما مر، ولم يكن قد بنى لنفسه بيتا ولا لعلي ولذلك لم يزوج عليا أول وروده المدينة وانتظر بناء بيت له، ومع ذلك ففي بعض الروايات الآتية في آخر الكلام أنه زوجه بها بعد مقدمة المدينة بخمسة أشهر وبنى بها مرجعه من بدر فيكون قد عقد له عليها وهو في دار أبي أيوب ودخل بها بعد خروجه من دار أبي أيوب بشهرين كما ستعرف، وخطبها أبو بكر ثم عمر إلى النبي ص مرة بعد أخرى فردهما فمرة يقول أنها صغيرة ومرة يقول انتظر بها القضاء.
وما كانت خطبتهما لها الا لشدة الرغبة في نيل الشرف مع أنهما لا يحتملان الإجابة الا احتمالا في غاية الضعف، والا فكيف يظنان أنه يزوجها أحدهما مع وجود أخيه وناصره وابن عمه الذي ليس عنده زوجة وأفضل أهل بيته وأصحابه، وهو بعد لم ينس فضل أبي طالب العظيم عليه، فلم يكن يتصور متصور أنه يزوجها غيره أو يرى لها كفؤا سواه، لكن شدة الرغبة والتهالك في شئ قد يدعو إلى التشبث في نيله بالأوهام، فقال نفر من الأنصار لعلي عندك فاطمة فاتى النبي ص فسلم عليه فقال ما حاجتك قال ذكرت فاطمة قال مرحبا واهلا فأخبر النفر بذلك قالوا يكفيك أحدهما أعطاك الأهل أعطاك المرحب. ثم إن رسول الله ص قال لفاطمة أن عليا يذكرك وهو ممن عرفت قرابته وفضله في الاسلام وإني سالت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبهم إليه، فسكتت فقال الله أكبر سكوتها اقرارها. وفي الشريعة الاسلامية أنه يكفي في رضا البكر السكوت ولا يكفي في الثيب الا الكلام، وكيف لا تسكت فاطمة ولا ترضى وهي قد عرفت عليا في صغره وشبابه ودرست أخلاقه وأحواله درسا كافيا فإنه تربى معها وفي بيت أبيها مع ذكائها وفطنتها وكونها ابنة رسول الله ص قد تربت في حجره واقتبست من خلقه وعلمه وابنة خديجة عاقلة النساء ونضلاهن وقد صاحبت فاطمة عليا ع في هجرتها من مكة إلى المدينة ورأت بعينها شجاعته الخارقة حين لحقه الفوارس الثمانية وكيف قتل جناحهم فقده من كتفه إلى قربوس فرسه وهرب أصحابه أذلاء صاغرين، وعرفت كيف كانت محافظته عليها وعلى رفيقاتها الفواطم الهاشميات في ذلك السفر وحنوه عليها وعليهن ورفقه بها وبهن، وانه لو كان معها أبوها لم يزد عليه في ذلك حتى أنه لم يرض أن يسوق بهن أبو واقد سوقا حثيثا في ساعة الخطر وأمره بالرفق ولم يبال بذلك الخطر واستهانه ولم يحفل به اعتمادا على شجاعته وبطشه وتأييد الله له فهل يمكن أن تتردد في الرضا بان يكون لها بعلا وتكون له زوجة، وتحقق بذلك صدق أبيها في أنه لولا علي لم يكن لفاطمة كفؤ على وجه الأرض، وانما أراد الرسول ص باستشارتها الجري على السنة وتعليم أمته أن تستأمر المرأة عند إرادة تزويجها وان لا يستبدوا بها واظهار كرامة المرأة في استشارتها حتى لو كان أبوها سيد الأنبياء وخاطبها علي بن أبي طالب سيد الأمة بعد أبيها وبيانا لخطأ أهل الجاهلية في استبدادهم بالمرأة.
خطبة النبي ص عند تزويجه فاطمة من علي ع الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه المرغوب إليه فيما عنده النافذ امره في ارضه وسمائه الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم باحكامه وأعزهم بدينه وأكرمهم بنبيه محمد ص ثم أن الله جعل المصاهرة نسبا لاحقا وامرا مفترضا وشج بها الأرحام وألزمها الأنام فقال تبارك اسمه وتعالى جده وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ثم إن الله امرني أن أزوج فاطمة من علي وإني أشهد أني قد زوجتها إياه على أربعمائة مثقال فضة أ رضيت قال قد رضيت يا رسول الله ثم خر ساجدا فقال رسول الله ص بارك الله عليكما وبارك فيكما واسعد جدكما وجمع بينكما واخرج منكما الكثير الطيب. قال انس والله لقد اخرج منهما الكثير الطيب.
خطبة علي عند تزويجه بفاطمة ع الحمد لله الذي قرب حامديه ودنا من سائليه ووعد الجنة من يتقيه وانذر بالنار من يعصيه نحمده على قديم احسانه وأياديه حمد من يعلم أنه خالقه وباريه ومميته ومحييه وسائله عن مساويه ونستعينه ونستهديه ونؤمن به ونستكفيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغه وترضيه وأن محمدا عبده ورسوله ص تزلفه وتحظيه وترفعه وتصطفيه وهذا رسول الله ص زوجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم فاسألوه واشهدوا قال رسول الله ص قد زوجتك ابنتي فاطمة على ما زوجك الرحمن وقد رضيت بما رضي الله فنعم الختن أنت ونعم الصاحب أنت وكفاك برضى الله رضى ثم أمر النبي ص بطبق تمر وأمر بنهبه.
تفديك يا سيدة النساء كل امرأة أظلتها السماء ما ضرك وأنت ابنة سيد الأنبياء ومخطوبة سيد الأوصياء وخير امرأة ولدتها حواء أن تكون حلوى تزويجك طبق تمر تواضعا مع الفقراء وتباعدا عن الكبرياء وسرف الأغنياء، وهل كان ما ينهب في تزويج بنات الملوك والأمراء من أنواع الحلوى الفاخرة النفيسة جاعلا قدرهن مدانيا لقدرك وملحقا شاوهن بشاوك كلا فقد انخفض شأن بوران وازميدخت ابنة ساسان، وزبيدة ابنة جعفر الذي كان مبنيا على السطوة والسلطان ولم ينفعهن ما أنهب في تزويجهن من فاخر الحلوى ونفيسها وبقي شأنك يا درة الكون عاليا ساميا متلألئا في جبين الدهر ما بقي الدهر.
قدر مهر الزهراء ع والروايات مختلفة في قدر مهر الزهراء ع والصواب أنه كان خمسمائة درهم اثنتي عشرة أوقية ونصفا والأوقية أربعون درهما لأنه مهر السنة كما ثبت من طريق أهل البيت ع وما كان رسول الله ص ليعدوه في تزويج علي بفاطمة، وتدل عليه روايات كثيرة ورواه ابن سعد في الطبقات وذكره علي ع في خطبته السابقة، اما ما دلت عليه خطبة النبي ص المتقدمة من أنه أربعمائة مثقال فهو يقتضي أن يكون أكثر من خمسمائة درهم لأن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم وقيل كان أربعمائة