وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون.
روى الصدوق في عيون أخبار الرضا بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال دخل دعبل بن علي الخزاعي رحمه الله علي أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع بمرو فقال له يا ابن رسول الله إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك فقال ع هاتها فانشده:
- مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات - فلما بلغ إلى قوله:
- أرى فيأهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات - بكى أبو الحسن الرضا ع وقال له صدقت يا خزاعي.
حداد بني هاشم ونسائهم على الحسين ع حتى قتل ابن زياد عن الصادق ع أنه قال ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ولا رئي في دار هاشمي دخان خمس سنين حتى قتل عبيد الله بن زياد.
وعن فاطمة بنت علي أمير المؤمنين ع أنها قالت ما تحنات امرأة منا ولا أجالت في عينها مرودا ولا امتشطت حتى بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد. وروى ابن قولويه في كامل الزيارة بسنده عن أبي عبد الله جعفر الصادق ع أنه قال: ما اختضب منا امرأة ولا ادهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عبرة بعده وكان جدي يعني علي بن الحسين ع إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه.
الحزن يوم عاشوراء سنة وجعله عيدا أقبح البدع من السنة يوم عاشوراء إظهار الحزن والجزع والبكاء والجلوس لذلك، أولا لأن فيه مواساة لرسول الله ص الذي لا شك في أنه حزين في ذلك اليوم جزعا على ولده وفلذة كبده ومن كان في حياته يحبه أشد الحب ويعزه ويكرمه ويلاعبه ويداعبه ويحمله على كتفه والذي كان بكاؤه يؤذيه ولم يرضى من أم الفضل ان تناله بشئ يبكيه وأي مسلم يرغب عن مواساة نبيه في حزنه على حبيبه وولده وفلذة كبده أم اي طاعة أعظم وأجل وأفضل عند الله تعالى وأحب إليه وأشد تقريبا لديه من مواساة أفضل رسله في حزنه على ولده الذي بذل نفسه لأحياء دينه، ثانيا انه ثبت عن أئمة أهل البيت النبوي انهم أقاموا المآتم في مثل هذا اليوم بل في كل وقت وحزنوا وبكوا لهذه الفاجعة وحثوا اتباعهم على ذلك فقد ثبت عن الإمام الرضا ع أنه قال كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا وكانت الكابة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام منه فإذا كان العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وقد مر بكاء الصادق ع لما أنشده السيد الحميري حتى بكى حرمه من خلف الستر ومر بكاء زين العابدين بعد قتل أبيه ع طول حياته واحتجاجه لما ليم في ذلك بان يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم كان نبيا ابن نبي وقد بكى على فراق ولده يوسف حتى ذهب بصره واحدودب ظهره وابنه حي في دار الدنيا قال وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر رجلا من أهل بيتي صرعى مقتولين فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي وتقدم بكاء سائر أئمة أهل البيت ع لذلك وهم نعم القدوة ولنا بهم أحسن الأسوة. اما اتخاذ يوم عاشوراء يوم عيد وفرح وسرور واجراء مراسيم الأعياد فيه من طبخ الحبوب وشراء الألبان والاكتحال والزينة والتوسعة على العيال فهي سنة أموية حجاجية وهي من أقبح البدع وأشنعها وإن كان قد اختلق فيها علماء السوء وأعوان الظلمة شيئا من الأحاديث فإنما ذاك في عهد الملك العضوض عداوة لرسول الله ص وأهل بيته ع ومراغمة لشيعتهم ومحبيهم وتبعهم من تبعهم غفلة عن حقيقة الحال وكيف يرضى المسلم لنفسه ان يفرح في يوم قتل ابن بنت نبيه وفي يوم يحزن فيه رسول الله ص وأهل بيته كما مر في مطاوي ما تقدم ولم يكن جعل يوم عاشوراء عيدا معروفا في الديار المصرية وأول من أدخله إليها صلاح الدين الأيوبي كما حكاه المقريزي في خططه والظاهر أن الباعث عليه كان أمرا سياسيا وهو مراغمة الفاطميين الذين سلبهم صلاح الدين ملكهم فقصد إلى محو كل اثر لهم. ومن السنة في يوم عاشوراء ترك السعي في الحوائج وترك ادخار شئ فيه.
خروجه من المدينة قال المفيد: روى الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السيرة قالوا لما مات الحسن ع تحركت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين ع في خلع معاوية و البيعة له فامتنع عليهم وذكر ان بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة فإذا مات معاوية نظر في ذلك. فلما مات معاوية منتصف رجب سنة ستين من الهجرة وتخلف بعده ولده يزيد وكان الوالي في ذلك الوقت على المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وعلى مكة عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق من بني أمية وعلى الكوفة النعمان بن بشير الأنصاري وعلى البصرة عبيد الله بن زياد. كتب يزيد إلى ابن عمه الوليد بن عتبة والي المدينة مع مولى لمعاوية يقال له ابن أبي زريق يأمره بأخذ البيعة على أهلها وخاصة على الحسين ع ولا يرخص له في التأخر عن ذلك ويقول إن أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه. وكان معاوية قبل وفاته قد حذر يزيد من أربعة: الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر ولا سيما من الحسين وابن الزبير اما ابن الزبير فهرب إلى مكة على طريق الفرع هو واخوه جعفر ليس معهما ثالث وأرسل الوليد خلفه أحد وثمانين راكبا فلم يدركوه وكان ابن عمر بمكة. واما الحسين ع فاحضر الوليد مروان بن الحكم واستشاره في امره. فقال إنه لا يقبل ولو كنت مكانك لضربت عنقه، فقال الوليد: ليتني لم أك شيئا مذكورا، ثم بعث إلى الحسين ع في الليل فاستدعاه فعرف الحسين ع الذي أراد فدعا بجماعة من أهل بيته ومواليه وكانوا ثلاثين رجلا وأمرهم بحمل السلاح وقال لهم ان الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ولست آمن ان يكلفني فيه أمرا لا أجيبه إليه وهو غير مأمون فكونوا معي فإذا دخلت فاجلسوا على الباب فان سمعتم صوتي قد علا فأدخلوا عليه لتمنعوه عني، فصار الحسين ع إلى الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى إليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين ع ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما امره فيه من أخذ البيعة منه ليزيد، فلم يرد الحسين ع ان يصارحه بالامتناع من البيعة وأراد التخلص منه بوجه سلمي، فورى عن مراده وقال: اني أراك لا تقنع ببيعتي سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس، فقال له الوليد أجل، فقال الحسين ع تصبح وترى رأيك في ذلك، فقال له الوليد