يتصور من الشدة حتى اثار ذلك غبارا حجبهما عن الابصار. وفي رواية انه لما قتله كبر المسلمون فلما سمع رسول الله ص التكبير عرف ان عليا قتل عمرا قال جابر فما شبهت قتل علي عمرا الا بما قص الله من قصة قتل داود جالوت، وقال مثل ذلك يحي بن آدم فيما رواه الحاكم في المستدرك واختلفت هذه الروايات في عدد الخلال التي كان عمرو يقول إنه لا يدعى إلى واحدة منها الا أجاب ففي بعضها اثنتان وفي بعضها ثلاث فيمكن ان يكون الراوي نسي واحدة منها وفي غير ذلك لا تنافي بينها فإنه ليس في إحداها اثبات شئ نفته الأخرى وانما في إحداها السكوت عن شئ أثبتته الأخرى واتفقت منها روايات ابن هشام والطبري والمفيد على أن عليا ع لما رأى هؤلاء الستة عبروا الخندق بادر مع نفر من المسلمين إلى الثغرة التي اقحموا خيلهم منها فاخذها عليهم ورابط عندها. وذلك أنه لم يكن في الحسبان ان أحدا من المشركين يستطيع عبور الخندق فلما عبره هؤلاء على حين غفلة بادر علي بمن معه ليمنعوا غيرهم لو حاولوا العبور وليكونوا في مقابل الذين عبروا فيدفعوهم ويقاتلوهم ويمنعوهم من الرجوع إلى عسكرهم. وهذه منقبة انفرد بها علي ع في هذه الوقعة بمبادرته لحماية الثغرة واخذ نفر معه يعينونه ويرهبون العدو حين بدههم هذا الأمر الذي لم يكن في الحسبان وعلموا أن هؤلاء الذين اقتحموا الخندق بخيولهم واقدموا على ما كان يخال انه ليس بممكن وقابلوا ثلاثة آلاف من عدوهم هم من أشجع الشجعان. ومن الذي يبقى ثابت العصب في مثل هذا الموقف المخيف فيواجه سبعة فرسان من أشجع الشجعان وراءهم جيش فيه عشرة آلاف مقاتل غير علي ومع ذلك فهو راجل اما النفر الذين جاءوا معه فلم يكن الغرض من مجيئهم معه غير تكثير السواد والا فليس فيهم غناء ولا مساعدة فقد سمعت قول المفيد انه لما عاد إليهم بعد قتله عمرا وجدهم قد كادت نفوسهم تطير جزعا وخوفا فدل على أنه لما فارقهم علي وذهب لمبارزة عمرو وتركهم عند الثغرة بجانب الخندق ليحفظوها استولى عليهم الخوف والجزع وكادت نفوسهم تطير جزعا، وجزعهم هذا الشديد لما فارقهم علي ليبارز عمرا يدل على أنهم بخروجه خرجوا واليه استندوا وعليه اعتمدوا وانه لم يكن في خروجهم معه فائدة الا تكثير السواد. وظاهر الروايات ان عليا ومن معه كانوا رجالة ولكن هذا الراجل صنع ما لم تصنعه ولم تستطعه الفرسان فاستنزل عمرا عن فرسه وقتله.
وحاصل المستفاد من مجموع الروايات ان عمرا لما عبر الخندق مع أصحابه وتقدم نحو عسكر المسلمين بادر علي ومعه جماعة فاخذ عليهم الثغرة التي عبروا منها ورابط عندها فان أرادوا قتاله قاتلهم وان أرادوا الرجوع منعهم وان حاول غيرهم العبور منعه ثم تقدم عمرو وأصحابه إلى جهة عسكر المسلمين وطلب عمرو المبارزة فلم يجبه أحد فلما سمعه علي ورأى أن أحدا لا يخرج إليه ترك مكانه من الثغرة وابقى فيه أصحابه الذين خرجوا معه إلى الخندق فقام بين يدي النبي ص فقال انا له فإنه لم يكن ليبارزه بغير إذنه وانه انما لم يأذن له من أول الأمر رجاء أن يقوم إليه أحد فيبارزه فدافعه عن مبارزته مرة بعد مرة فلما رأى أنه لم يقم إليه أحد بعد تكرير النداء أذن له وانما فعل ذلك ليخفف عن علي ويدخره لمهام كثيرة عظيمة أو انه أراد أن يظهر فضله على غيره مع علمه انه لا يقوم إلى عمرو أحد غيره بما رآه من ظاهر حالهم ثم أذن له في مبارزته فبارزه وقتله وجاء برأسه ثم عاد إلى مقامه الأول من الثغرة لأن الخطر لم يرتفع ولم يؤمن عبور غير عمرو وأصحابه منها فوجد الذين تركهم عند الخندق قد استولى عليهم الخوف والجزع وقد كادت نفوسهم تطير جزعا لأنهم يخافون من رجوع عمرو ومن معه إليهم ومن هجوم أحد من المشركين عليهم كما فعل عمرو ومن معه فلما عاد علي إليهم وقد قتل عمرا اطمانت نفوسهم.
ما فعله علي بعد قتله عمرا ثم إن عليا بعد قتله عمرا قطع رأسه واقبل به إلى النبي ص ووجهه يتهلل فألقاه بين يديه وعاد مسرعا إلى مكانه الذي كان فيه من الثغرة وقتل ابنه حسلا ولحق هبيرة ففاته وقتل نوفلا في الخندق. وفي الارشاد بسنده عن الحسن البصري ان عليا لما قتل عمرو بن عبد ود اخذ رأسه وحمله فألقاه بين يدي النبي ص فقام أبو بكر وعمر فقبلا رأس علي وقال رسول الله ص اليوم نغزوهم ولا يغزوننا. ورواه غير المفيد أيضا.
ما جرى للفرسان الذين كانوا مع عمرو واما الفرسان الذين كانوا مع عمرو فالذين ذكرت أسماؤهم ستة وهم منبه بن عثمان بن عبيد العبدري ونوفل بن عبد الله المخزومي وهبيرة بن أبي وهب المخزومي زوج أم هانئ بنت أبي طالب مات على كفره وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب الفهري وحسل بن عمرو بن عبد ود. وضرار هذا ليس أخا عمر بن الخطاب كما يدل عليه كلام الطبري والمفيد السابق وقال صاحب السيرة الحلبية وتبعه زيني دحلان انه أخو عمر بن الخطاب لاشتراكهما في اسم الأب وهو غلط لأن عمر هو ابن الخطاب بن نفيل بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب العدوي كما ذكره أصحاب كتب الصحابة وغيرهم وهذا ضرار بن الخطاب بن مرداس أخو بني محارب بن فهر الفهري كما ذكره الطبري وتبعه المفيد. اما الخمسة الأولون منهم فإنهم لما رأوا ما جرى على عمرو هربوا راجعين لا يلوون على شئ لانهم علموا انهم لو بقوا كان نصيبهم نصيب عمرو فإنه كان أشجعهم ومقدمهم واشتغل علي عنهم بأخذه رأس عمرو إلى النبي ص فلما عاد مسرعا ليلحقهم ويحمي الثغرة وجدهم قد هربوا فبعضهم أسرع فطفر الخندق وسلم وهما عكرمة القى رمحه وهرب وضرار وقتل منهم رجلان منبه أصابه سهم فمات منه بمكة و نوفل اقتحم الخندق فتورط فيه فرموه بالحجارة فقال يا معشر العرب قتلة أحسن من هذه فنزل إليه علي فقتله وفي رواية ضربه بالسيف فقطعه نصفين ولحق علي ع هبيرة فاعجزه وضرب قربوس سرجه فسقطت درع له كان قد احتقبها وقد لحقه قبل ان يعبر الخندق وهبيرة فارس وعلي راجل فلذلك فاته هربا ولم يقدر الا على ضرب قربوس سرجه ولو وقف له لقتله فطفر الخندق وسلم. وفي السيرة الحلبية في رواية: ثم حمل ضرار بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب وهبيرة بن أبي وهب على علي فاقبل علي عليهما فاما ضرار فولى هاربا ولم يثبت واما هبيرة فثبت ثم القى درعه وهرب وكان فارس قريش وشاعرها: وذكر ان ضرار بن الخطاب لما هرب تبعه أخوه عمر بن الخطاب وصار يشتد في اثره فكر ضرار راجعا وحمل على عمر بالرمح ليطعنه ثم أمسك وقال يا عمر هذه نعمة مشكورة أثبتها عليك ويدلي عندك غير مجزي بها فاحفظها ووقع مع عمر مثل ذلك في أحد فإنه التقى معه فضرب عمر بالقناة ثم رفعها عنه وقال له ما كنت لأقتلك يا ابن الخطاب اه وقوله اخوه غلط كما عرفت فيكون ضرار هذا قد حمل على عمر مرتين وأمكنه ان يقتله فعفا عنه. واما حسل فروى ابن هشام في