بالكسر فامر ان لا يقرأ القرآن إلا عالم باللغة وأمر أبا الأسود ان يضع النحو اه ولا يخفى ان رواية امره أبا الأسود بوضع علم النحو مخالفة لما اتفق عليه العلماء من أن الذي امره بذلك علي ع وكذلك ما ذكره أيضا مما حاصله انه يروى ان زياد بن أبيه قال لأبي الأسود إن هذه الحمراء قد كثرت وأفسدت من السن العرب فلو وضعت لهم شيئا يقيمون به كلامهم فأبى فبعث من يقرأ على طريقه ان الله برئ من المشركين ورسوله بالجر فاستعظم ذلك وأجابه وقال رأيت أن أبدأ باعراب القرآن فاعربه بالنقط ثم وضع المختصر المنسوب إليه بعد ذلك اه وإعراب القرآن لا دخل له بوضع علم النحو الذي كان في زمن أمير المؤمنين ع وبامره لا بأمر زياد ويجوز ان يكون أبو الأسود أظهر كتابه يومئذ وكان ألفه قبل ذلك أو رتب يومئذ ما كان تلقنه من أمير المؤمنين ع وأضافه هو إليه فجعله كتابا. كما أن الغالب على الظن ان التعبير عن الفرس بهذه الحمراء هو من كلام زياد لا من كلام أمير المؤمنين فإنه بكلام زياد أشبه والتعبير عن المسلم بعبارة يستشم منها الاحتقار بعيد عن أخلاق أمير المؤمنين الذي لم يرض ان تباع بنات كسرى والذي اثنى على الأعاجم قبل ان يسلموا فكيف بعد ما دخلوا الاسلام وإن الاشتباه في ذلك وقع من بعض الرواة والله العالم.
ويرشد إلى ما ذكرناه من أن أبا الأسود أظهر في زمن زياد ما كان ألفه قبل وتلقنه من أمير المؤمنين ما ذكره ابن النديم في الفهرست قال اختلف الناس في السبب الذي دعا أبا الأسود إلى ما رسمه من النحو فقال أبو عبيدة اخذ النحو عن علي بن أبي طالب أبو الأسود وكان لا يخرج شيئا اخذه عن علي إلى أحد حتى بعث إليه زياد ان اعمل شيئا يكون للناس إماما ويعرف به كتاب الله فاستعفاه حتى سمع أبو الأسود من يقرأ إن الله برئ من المشركين ورسوله بالكسر فقال ما ظننت ان أمر الناس آل إلى هذا ووضع النقط للشكل اه ووضع النقط للشكل وإن كان لا دخل له بوضع النحو إلا أنه يشير إلى أن أبا الأسود كان أخفى ما أخذه عن علي ع إلى ذلك الوقت ثم أظهره. ثم قال ابن النديم: قال أبو سعيد رضي الله عنه ويقال إن السبب في ذلك أنه مر بأبي الأسود سعد وكان رجلا فارسيا وهو يقود فرسه فقال له ما لك يا سعد لا تركب فقال إن فرسي ضالعا أراد ضالع فقال أبو الأسود إن هؤلاء الموالي قد رغبوا في الاسلام ودخلوا فيه فصاروا لنا أخوة فلو عملنا لهم الكلام فوضع باب الفاعل والمفعول به اه باختصار وفي هذا الكلام من قصور الدلالة ما لا يخفى فان بعضه يدل على إرادة وضع جميع أبواب النحو وبعضه على وضع باب الفاعل والمفعول خاصة مع عدم ارتباطه باللحن المذكور. وقال ابن شهرآشوب في المناقب: أمير المؤمنين علي ع هو واضع النحو لأنهم يروونه عن الخليل بن أحمد عن عيسى بن عمر الثقفي عن عبد الله بن إسحاق الحضرمي عن أبي عمرو بن العلاء عن ميمون الأقرن عن عنبسة الفيل عن أبي الأسود الدؤلي عنه ع والسبب في ذلك ان قريشا كانوا يتزوجون بالأنباط فوقع فيما بينهم أولاد ففسد لسانهم حتى أن بنتا لخويلد الأسدي كانت متزوجة في الأنباط فقالت إن أبوي مات وترك علي مالا كثيرا فلما رأى علي ع فساد لسانها أسس النحو قال وروي إن إعرابيا سمع من سوقي يقرأ إن الله برئ من المشركين ورسوله بالكسر فشج رأسه فخاصمه إلى أمير المؤمنين ع فقال الأعرابي كفر بالله فقال علي ع إنه لم يتعمد قال وروي ان أبا الأسود كان في بصره سوء وله بنية تقوده إلى علي ع فقالت يا إبناه ما أشد حر الرمضاء تريد التعجب وضمت الدال فأخبر أمير المؤمنين ع بذلك فأسس النحو قال وروي إن أبا الأسود كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل من المتوفي بالياء فقال الله وهو يريد المتوفى بالألف ثم أخبر عليا ع فأسس ذلك ودفعه إلى أبي الأسود وقال ما أحسن هذا النحو أحش له بالمسائل فسمي نحوا قال قال ابن سلام كانت الرقعة: الكلام ثلاثة أشياء اسم وفعل وحرف جاء لمعنى فالاسم ما أنبأ عن المسمى والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى والحرف ما أوجد معنى في غيره اه. وذكر غيره ان امرأة دخلت على معاوية في زمن عثمان وقالت أبوي مات وترك مالا فبلغ ذلك عليا فرسم لأبي الأسود فوضع أبو الأسود أولا باب الياء والإضافة ثم سمع رجلا يقرأ إن الله برئ من المشركين ورسوله بالجر فصنف بأبي العطف والنعت ثم قالت ابنته يوما ما أحسن السماء بضم النون وكسر الهمزة فقال نجومها فقالت إنما أتعجب من صنعتها فصنف بأبي التعجب والاستفهام اه وهذه الروايات لا تنافي بينها لجواز وقوع كل ما فيها وكونه داعيا إلى وضع باب من النحو.
بطلان القول بان أول من وضع النحو عبد الرحمن بن هرمز أو نصر بن عاصم قال ابن النديم في الفهرست قال محمد بن إسحاق زعم أكثر العلماء إن النحو اخذ عن أبي الأسود الدؤلي وإن أبا الأسود اخذ ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع وقال آخر رسم النحو نصر بن عاصم الدؤلي ويقال الليثي قرأت بخط أبي عبد الله بن مقلة عن ثعلب قال روى ابن لهيعة عن أبي النضر قال كان عبد الرحمن بن هرمز أول من وضع العربية اه وقال ابن الأنباري في النزهة: زعم قوم ان أول من وضعه نصر بن عاصم والأول ليس بصحيح لأن عبد الرحمن اخذ عن أبي الأسود ويقال عن ميمون الأقرن والصحيح إن أول من وضع النحو علي بن أبي طالب لأن الروايات كلها تسند إلى أبي الأسود وأبو الأسود يسند إلى علي فإنه روي عن أبي الأسود إنه سئل فقيل له من أين لك هذا النحو فقال لفقت حدوده من علي بن أبي طالب وأخذ عن أبي الأسود عنبسة الفيل وميمون الأقرن ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن هرمز ويحيى بن يعمر اه وقال ابن النديم قال بعض العلماء إن نصر بن عاصم أخذ عن أبي الأسود وفي بغية الوعاة عن ياقوت قال كان نصر يسند إلى أبي الأسود في القرآن والنحو اه.
ويحكى عن أبي الأنباري في خطبة شرح كتاب سيبويه انه ذكر ان قراءة إن الله برئ من المشركين ورسوله بالجر وقعت في عصر النبي ص وإنه أشار إلى أمير المؤمنين ع بوضع علم النحو فعلم أبا الأسود العوامل والروابط وحصر الحركات الاعرابية والبنائية فألف ذلك وإذا أشكل عليه شئ راجع أمير المؤمنين واتى به إلى أمير المؤمنين ع فاستحسنه وقال نعم ما نحوت اي قصدت فللتفاؤل بلفظ علي ع سمي هذا العلم نحوا اه باختصار وكون ذلك في عصر النبي ص مع أنه انفرد به ينافيه إنه في ذلك العصر كانت اللغة العربية محروسة من اللحن وإنما حدث هذا بعد اختلاط العرب بغيرهم. قال ابن النديم في الفهرست رأيت ما يدل على أن النحو