قبل ان يعتدل قدته نصفين، وهذا شئ لم يكن في حسبان جناح وأصحابه وشد علي أصحابه وهو على قدميه شدة ضيغم وهو يقول:
- خلوا سبيل الجاهد المجاهد * آليت لا أعبد غير الواحد - فتفرق القوم عنه وقالوا: احبس نفسك عنا يا ابن أبي طالب قال:
فاني منطلق إلى أخي وابن عمي رسول الله فمن سره ان أفري لحمه وأريق دمه فليدن مني وهنا هدأ روع النسوة وعلمن انهن بصحبته في منجاة من كل خطر وقد ذكرنا فيما مر المقايسة بين هذه الحال لما لحق عليا ثمانية فوارس وبين حال النبي ص لما لحقه ومن معه فارس واحد فراجع.
ثم اقبل علي بعد قتله جناحا وفرار أصحابه على أيمن وأبي واقد وقال لهما اطلقا مطاياكما ثم سار ظافرا قاهرا حتى نزل ضجنان فلبث بها يومه وليلته ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين فيهم أم أيمن مولاة رسول الله ص وبات ليلته تلك هو والفواطم طورا يصلون وطورا يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثم سار لا يفتر عن ذكر الله هو ومن معه حتى قدموا المدينة، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم بقوله تعالى: الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم إلى قوله فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب وتلي ص: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد وفي سيرة ابن هشام: أقام علي بن أبي طالب ع بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله ص الودائع ثم لحق به بقبا فأقام بها ليلة أو ليلتين اه. وفي السيرة الحلبية عن الامتاع: لما قدم علي ع من مكة كان يسير الليل ويكمن النهار حتى تفطرت قدماه فاعتنقه النبي ص وبكى رحمة لما بقدميه من الورم وتفل في يديه وأمرهما على قدميه فلم يشكهما بعد ذلك اه. وفي أسد الغابة بسنده عن أبي رافع في تتمة الخبر السابق قال: وأمر النبي ص عليا أن يلحقه بالمدينة فخرج علي في طلبه بعد ما اخرج إليه أهله يمشي الليل ويكمن النهار حتى قدم بالمدينة فلما بلغ النبي قدومه قال ادعوا لي عليا قيل يا رسول الله لا يقدر ان يمشي فاتاه النبي ص فلما رآه اعتنقه وبكى رحمة لما بقدميه من الورم وكانتا تقطران دما فتفل النبي ص في يديه ومسح بهما رجليه ودعا له بالعافية فلم يشتكهما حتى استشهد اه.
السنة الأولى من الهجرة وبعد ما دخل النبي ص المدينة ومعه علي بن أبي طالب واحتمل أبو أيوب رحله فوضعه في بيته كان علي معه وبقي في بيت أبي أيوب سبعة أشهر حتى بنى مسجده ومساكنه. قال المفيد فانزله النبي ص عند وروده المدينة داره ولم يميزه من خاصة نفسه ولا احتشمه في باطن امره وسره اه. ثم لما بنى مسجده وبنى لنفسه بيوتا حول المسجد اسكنها أزواجه بنى لعلي بيتا بجنب البيت الذي كانت تسكنه عائشة وسكنه علي وسكنت معه الزهراء لما تزوج بها، ولما بنى المسجد عمل فيه رسول الله ص والمهاجرون والأنصار ومنهم علي وكان رجل من المهاجرين عليه ثياب بيض فكان يحيد عن الغبار محافظة على ثيابه، قال ابن هشام في سيرته وارتجز علي بن أبي طالب:
- لا يستوي من يعمر المساجدا * يدأب فيها قائما وقاعدا - - ومن يرى عن الغبار حائدا - فاخذها عمار بن ياسر فجعل يرتجز بها فلما أكثر ظن رجل من أصحاب رسول الله ص إنه إنما يعرض به، وقد سمي ابن إسحاق الرجل، فقال قد سمعت ما تقول منذ اليوم يا ابن سمية والله إني لأراني سأعرض هذه العصا لأنفك وفي يده عصا فغضب رسول الله ص ثم قال: ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، إن عمارا جلدة ما بين عيني وانفي وهو موضع أكرم المواضع على الإنسان في وجهه الذي هو أكرم أعضاء البدن عليه وهما في السيرة الحلبية من أن الرجل الذي ظن أن عمارا يعرض به هو عثمان بن مظعون غير صحيح، ولو كان هو لما كتم ابن هشام اسمه واقتصر على قوله، وقد سمي ابن إسحاق الرجل بل هو سمي لابن مظعون ولما ارتجز علي بهذا الرجز لم يكن في وسعه أن يعارضه فلما اخذه عمار وكرر الارتجاز به رأى مجالا لمعارضة عمار لضعفه. وما في طبقات ابن سعد من أنه بعث من منزل أبي أيوب زيد بن حارثة وأبا رافع إلى مكة فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه وسودة بنت زمعة زوجته مخالف لما عليه عامة الرواة وللاعتبار.
المؤاخاة في السيرة الحلبية: آخى النبي ص قبل الهجرة بين المهاجرين وآخى بين علي ونفسه وقال أ ما ترضى أن أكون أخاك قال بلى يا رسول الله رضيت قال فأنت أخي في الدنيا والآخرة اه. وانكار ابن تيمية المؤاخاة بين المهاجرين لا سيما مؤاخاة النبي ص لعلي معتلا بان المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار انما جعلت لارفاق بعضهم ببعض ولتاليف قلوبهم فلا معنى لمؤاخاة مهاجري لمهاجري لا يلتفت إليه لأنه كما قال الحافظ ابن حجر رد للنص بالقياس ولأنه كما يطلب الارفاق بين المهاجرين والأنصار، والأنصار بعضهم مع بعض، وتأليف قلوب بعضهم ببعض يطلب ذلك بين المهاجرين أنفسهم، وفي ذلك يقول الصفي الحلي:
- أنت سر النبي والصنو وابن ال * - عم والصهر والأخ المستجاد - - لو رأى مثلك النبي لآخاه * والا فأخطأ الانتقاد - وقال أبو تمام:
- اخوه إذا عد الفخار وصهره * فما مثله أخ ولا مثله صهر - ثم آخى رسول الله ص بين المهاجرين بعد الهجرة ثم بين عموم المسلمين من المهاجرين والأنصار، فقد تكون بين مهاجري ومهاجري، وأنصاري وأنصاري، ومهاجري وأنصاري واخذ بيد علي بن أبي طالب كما في السيرة الحلبية فقال هذا أخي فكان رسول الله ص وعلي أخوين، قال:
وفي رواية لما آخى بين أصحابه جاء علي تدمع عيناه فقال يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد فقال له رسول الله ص أنت أخي في الدنيا والآخرة اه. اما الدكتور محمد حسين هيكل فاقتصر على قوله فكان هو وعلي بن أبي طالب أخوين وفلان وفلان أخوين الخ ولم يشر إلى ما في هذه المؤاخاة من مغزى كما هو مبنى كتابه وهي أولي بان تكون رمزا إلى الميزة على سائر الناس وأنه لا كفؤ لمؤاخاته سواه وإلى الوزارة التي أثبتها قبل ذلك بقليل لغيره.
تزوجه بالزهراء ع وقد مر مفصلا في سيرة الزهراء في الجزء الثاني مع ذكر مصادره