ممن كان على رأيه وعظم العنزي في أعينهم فسألوه فأخبرهم بما قال وما قيل له وأحسن القول في علي والثناء عليه.
بعث سعيد بن العاص بهدايا إلى المدينة وإلى علي ومن اخباره في خلافة عثمان أمر الهدية التي بعث بها إليه سعيد بن العاص أيام ولايته على الكوفة من قبل عثمان في جملة من بعث إليهم، ومر أن ولاية سعيد هذا على الكوفة كانت سنة ثلاثين إلى آخر سنة 33، ولا يدري في أي سنة منها كان ذلك.
روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني ج 11 ص 29 30 بسنده عن الحارث بن حبيش قال: بعثني سعيد بن العاص أيام ولايته على الكوفة من قبل عثمان بهدايا إلى المدينة وبعثني إلى علي ع وكتب إليه: اني لم ابعث إلى أحد بأكثر مما بعثت به إليك الا أشياء في خزائن أمير المؤمنين، قال: فاتيت عليا فأخبرته فقال لشد ما تحظر بنو أمية تراث محمد ص، اما والله لئن وليتها لأنفضنها نفض القصاب التراب الوذمة، قال أبو جعفر الطبري هذا غلط انما هو الوذام التربة. وبسنده بعث سعيد بن العاص مع ابن أبي عائشة مولاه بصلة إلى علي بن أبي طالب ع فقال: والله لا يزال غلام من غلمان بني أمية يبعث إلينا مما أفاء الله على رسوله بمثل قوت الأرملة والله لئن بقيت لأنفضنها نفض القصاب الوذام التربة، هكذا في هذه الرواية اه. وفي النهاية قال الأصمعي: سألني شعبة عن هذا الحرف فقلت ليس هو هكذا انما هو نفض القصاب الوذام التربة.
تفسير الغريب في هذا الخبر قوله لشد ما تحظر الخ تحظر من الحظر وهو المنع أي لشد ما حازوه ومنعوه غيرهم أو من الحظيرة وهي الموضع الذي يحاط عليه فيمنع ذلك من دخوله، اي لشد ما جعلوا حظيرة على تراثه ومنعونا منه. والضميران في لئن وليتها لأنفضنها يمكن رجوعهما إلى الخلافة أو إلى بني أمية أو بالاختلاف أي لئن وليت الخلافة لأنفضن الخلافة وأنقيها مما دنسها، أو لئن وليت بني أمية لأنفضن بني أمية، والظاهر الوجهان الأولان، ومما فعله لما ولي الخلافة رد قطائع عثمان إلى بيت المال.
والقصاب بتشديد الصاد المهملة والرواية قد رويت بوجهين كما سمعت والطبري قال إن روايتها على الوجه الأول غلط من الرواة والصواب الوجه الثاني، وابن الأثير في النهاية تكلف في تفسيرها على الوجه الأول فقال: التراب بكسر التاء جمع ترب بسكون الراء تخفيف ترب بكسرها يريد اللحوم التي تعفرت بسقوطها في التراب، والوذمة المتقطعة الأوذام وهي السيور التي تشد بها عرى الدلو وقيل أراد بالقصاب السبع والتراب أصل ذراع الشاة، والسبع إذا اخذ الشاة قبض على ذلك المكان ثم نفضها اه فأنت ترى عدم المناسبة بين تفسير التراب وتفسير الوذمة على التفسير الأول والتكلف الظاهر في التفسير الثاني، اما على الوجه الثاني للرواية ففي القاموس الوذمة محركة المعى والكرش جمعها وذام ككتاب اه والتربة التي سقطت في التراب فان القصاب ينفضها حينئذ لينقيها من التراب. والرواية لما أخطأ فيها بعض الرواة فقلبها تكلف العلماء في تفسيرها بهذه التكلفات.
اخباره المتعلقة بمقتل عثمان قال الطبري في تاريخه ما حاصله: إنه لما نقم الناس على عثمان ما نقموا، استدعى عماله وفيهم معاوية، فلما خرج معاوية من عند عثمان مر على نفر من المهاجرين فيهم علي وطلحة والزبير فقال إنكم تعلمون أن هذا الأمر كان الناس يتغالبون عليه حتى بعث الله نبيه فتفاضلوا بالسابقة والقدمة والجهاد فان أخذوا بذلك فالأمر امرهم والناس لهم تبع، وإن طلبوا الدنيا بالتغالب سلبوا ذلك ورده الله إلى غيرهم وإن الله على البدل لقادر، واني قد خلفت فيكم شيخا فاستوصوا به خيرا وكانفوه تكونوا أسعد منه بذلك، فقال علي: كنت ارى في هذا خيرا، فقال الزبير: والله ما كان أعظم قط في صدرك وصدورنا منه اليوم، قوله كنت ارى في هذا خيرا أي فبأن لي أنه لا خير فيه، وهذا كلام يقوله من يريد بيان أن الحال الأخيرة أفظع من الأولى ولا يلزمه أنه كان يرى فيه خيرا حقيقة، وقول الزبير ما كان أعظم الخ يريد به أن كلامه تهديد لهم. قال ابن أبي الحديد: من هذا اليوم أنشب معاوية أظفاره في الخلافة لأنه غلب على ظنه قتل عثمان، ألا ترى إلى قوله وإن طلبوا الدنيا بالتغالب سلبوا ذلك ورده إلى غيرهم وهو على البدل لقادر، وإنما يعني نفسه ولذا تربص بنصرة عثمان لما استنصره. وقال الواقدي: لما اجلب الناس على عثمان وكثرت القالة فيه خرج ناس من مصر في ألفين وكان هواهم في علي وناس من الكوفة في ألفين وكان هواهم في الزبير، وناس من أهل البصرة ولم يذكر عددهم وكان هواهم في طلحة ومنه يعلم أن تشيع أهل مصر أقدم من تشيع أهل الكوفة وانما فشا التشيع في الكوفة بعد توطن أمير المؤمنين علي لها فنزل المصريون ذا خشب والعراقيون ذا المروة، وروى الطبري قال:
لما نزل المصريون ذا خشب يريدون قتل عثمان إن لم ينزع عما يكرهون، وعلم عثمان ذلك جاء إلى منزل علي فقال: يا ابن عم إن قرابتي قريبة ولي عليك حق وقد جاء ما ترى من هؤلاء القوم وهم مصبحي ولك عند الناس قدر وهم يسمعون منك وأحب أن تركب إليهم وتردهم عني فان في دخولهم علي وهنا لأمري وجرأة علي، فقال علي على أي شئ أردهم قال على أن أصير إلى ما أشرت به ورأيته لي، فقال علي اني قد كلمتك مرة بعد أخرى فكل ذلك تخرج وتقول وتعد ثم ترجع وهذا من فعل مروان ومعاوية وابن عامر وعبد الله بن سعد فإنك أطعتهم وعصيتني، فقال عثمان اني اعصيهم وأطيعك، فامر علي الناس أن يركبوا معه فركب ثلاثون رجلا من المهاجرين والأنصار فاتوا المصريين فكلموهم فكان الذي يكلمهم علي ومحمد بن مسلمة فسمعوا منهما ورجعوا باصحابهم يطلبون مصر ورجع علي حتى دخل على عثمان فأشار عليه أن يتكلم بكلام يسمعه الناس منه ليسكنوا إلى ما يعدهم به من النزوع وقال له ان البلاد قد تمخضت عليك ولا آمن أن يجئ ركب من جهة أخرى فتقول لي يا علي اركب إليهم فإن لم افعل رأيتني قد قطعت رحمك واستخففت بحقك فخرج عثمان فخطب الخطبة التي اعطى الناس فيها من نفسه التوبة وقال لهم انا أول من اتعظ واستغفر الله عما فعلت وتاب إليه فليأتني أشرافكم فليروا رأيهم وليذكر كل واحد ظلامته لأكشفها وحاجته لأقضيها والله لأعطينكم الرضا ولأنحين مروان وذويه، فلما نزل وجد مروان وسعدا ونفرا من بني أمية في منزله وقد بلغتهم خطبته فقال مروان أ أتكلم أم اسكت فقالت نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان لا بل تسكت فأنتم والله قاتلوه وميتموا أطفاله قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها فقال لها مروان وما أنت وذاك وذم أباها فعرضت بذم