أدرك سعدا فخذ الراية منه وكن أنت الذي تدخل بها مكة فأدركه علي ع فاخذها منه ولم يمتنع عليه سعد من دفعها ونحوه ذكر الطبري الا أنه قال بدل العباس رجل من المهاجرين قال المفيد: فاستدرك رسول الله ص بأمير المؤمنين ما كاد يفوت من صواب التدبير بتهجم سعد واقدامه على أهل مكة ولم ير رسول الله ص أحدا من المهاجرين والأنصار يصلح لأخذ الراية من سيد الأنصار سوى أمير المؤمنين وعلم أنه لو رام ذلك غيره لامتنع سعد عليه وكان في امتناعه فساد التدبير واختلاف الكلمة بين الأنصار والمهاجرين وعلم أن الأنصار لا ترضى ان يأخذ أحد من الناس من سيدها سعد الراية ويعزله عن ذلك الا من كان في شبه حال النبي ص من جلالة القدر ورفيع المكانة وفرض الطاعة ومن لا يشين سعدا الانصراف به عن تلك الولاية ولو كان بحضرة النبي ص من يصلح لذلك سوى أمير المؤمنين لعدل بالأمر إليه وفي هذا من الفضل الذي تخصص به أمير المؤمنين ع ما لم يشركه فيه أحد وما كشف عن اصطفائه لجسيم الأمور اه باختصار أقول ولو فرض ان سعدا لا يمتنع عن تسليم الراية لغير علي إطاعة لرسول الله ص إلا إنه لا بد ان يقع في نفسه حزازة لا تقع بتسليمها لعلي. وامر رسول الله ص بقتل جماعة رجال ونساء ولو كانوا تحت أستار الكعبة لخبثهم وسوء أفعالهم فبعضهم استؤمن له فعفا عنه وبعضهم قتل منهم قينتان كانتا تغنيان بهجاء رسول الله ص وبمراثي أهل بدر قتل علي ع إحداهما ومنهم الحويرث بن نفيل بن كعب كان يؤذي رسول الله ص بمكة قتله علي ع قال المفيد ولما دخل رسول الله ص المسجد وجد فيه ثلثمائة وستين صنما فقال لعلي ع اعطني يا علي كفا من الحصى فناوله فرماها به وهو يقول قل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا ثم أمر بها فأخرجت من المسجد وطرحت وكسرت اه. وأرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة ان يأتي بمفتاح الكعبة فجاء به وفي رواية انه صعد به إلى سطح الكعبة وامتنع من دفعه فصعد إليه علي بن أبي طالب ولوى يده واخذه منه قال المفيد وبلغ عليا ع ان أخته أم هانئ قد آوت أناسا من بني مخزوم أقرباء زوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي منهم الحارث بن هشام وقيس بن السائب فقصد نحو دارها مقنعا بالحديد فقال اخرجوا من آويتم قال فجعلوا يذرقون والله كما يذرق الحبارى خوفا منه فخرجت إليه أم هانئ وهي لا تعرفه لأنه مقنع بالحديد فقالت يا عبد الله انا أم هانئ ابنة عم رسول الله وأخت علي بن أبي طالب انصرف عن داري فقال اخرجوهم فقالت والله لأشكونك إلى رسول الله ص فنزع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتد حتى التزمته قالت فديتك حلفت لأشكونك إلى رسول الله فقال لها اذهبي فبري قسمك قالت فجئت إلى النبي ص وهو في قبة يغتسل وفاطمة تستره فلما سمع كلامي قال مرحبا بك يا أم هانئ واهلا فقلت بأبي أنت أشكو إليك اليوم ما لقيت من علي بن أبي طالب فقال رسول الله قد اجرت من اجرت فقالت فاطمة انما جئت يا أم هانئ تشكين عليها في أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله فقال رسول الله ص لقد شكر الله لعلي سعيه واجرت من اجارت أم هانئ لمكانها من علي بن أبي طالب فجمع بمكارم أخلاقه بين حفظ شأن علي واكرام أم هانئ لأجله.
قال المفيد: وفيما ذكرناه من اعمال أمير المؤمنين ع في قتل من قتل من أعداء الله بمكة وإخافة من أخاف ومعونة رسول الله ص على تطهير المسجد من الأصنام وشدة بأسه في الله وقطع الأرحام في طاعة الله أدل دليل على تخصصه من الفضل بما لم يكن لأحد منهم سهم فيه اه.
يوم الغميصاء في شوال سنة ثمان من الهجرة مع بني خزيمة أو جذيمة بن عامر في معجم البلدان الغميصاء موضع في بادية العرب قرب مكة كان يسكنه بنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة الذين أوقع بهم خالد بن الوليد عام الفتح فقال رسول الله ص اللهم أني أبرأ إليك مما صنع خالد ووداهم رسول الله ص على يد علي بن أبي طالب اه وقد تقدمت القصة مفصلة في الجزء الثاني ونعيد هنا ما له تعلق بأمير المؤمنين ع وإن لزم بعض التكرار وقد أشار إليها المفيد في ارشاده في موضعين وحاصل القصة أن النبي ص بعد فتح مكة انفذ خالد بن الوليد إلى بني خزيمة بن عامر وكانوا بالغميصاء يدعوهم إلى الله عز وجل وإلى الاسلام ولم يرسله محاربا وأرسل معه عبد الرحمن بن عوف وكان بنو خزيمة مسلمين ولم يعلم رسول الله ص باسلامهم وكانوا قد قتلوا في الجاهلية الفاكه بن المغيرة عم خالد بن الوليد وعوفا أبا عبد الرحمن بن عوف فلما رأوا خالدا أخذوا السلاح فقال ما أنتم قالوا مسلمون قال فما بال السلاح قالوا خفنا أن تكونوا بعض من بيننا وبينهم عداوة من العرب فقال ضعوا السلاح فقال أحدهم يا بني جذيمة أنه خالد والله ما بعد وضع السلاح الا الأسئار وما بعد الأسار الا ضرب الأعناق وأبي أن يضع سلاحه فما زالوا به حتى نزعوا سلاحه ونزعوا سلاحهم فامر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل فقال له عبد الرحمن بن عوف عملت بأمر الجاهلية في الاسلام حتى كان بينهما شر فلما بلغ ذلك رسول الله ص رفع يديه إلى السماء وقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ثم دعا علي بن أبي طالب ع فقال يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في امرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك فخرج حتى جاءهم ومعه مال قد بعثه رسول الله ص به فودي لهم الدماء وما أصيب من الأموال حتى أنه ليدي ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق شئ من دم ولا مال الا وداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم هل بقي لكم دم أو مال لم يؤد إليكم قالوا لا قال فاني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله ص مما لا يعلم ولا تعلمون ففعل ثم رجع إلى رسول الله ص فأخبره الخبر فقال أصبت وأحسنت ثم قام فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى أنه ليرى بياض ما تحت منكبيه وهو يقول اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات قال المفيد في الارشاد ومن مناقبه ع أن الله تعالى خصه بتلافي فارط من خالف نبيه في أوامره واصلاح ما أفسده حتى انتظمت به أسباب الصلاح وذلك لما انفذ خالد بن الوليد إلى بني خزيمة فخالف امره وقتل القوم وهم على الاسلام وعمل في ذلك على حمية الجاهلية فشان بذلك الاسلام ونفر عنه ففزع ص في تلافي فارطه واصلاح ما أفسده ودفع المعرة عن شرعه بذلك إلى أمير المؤمنين ع فانفذه لعطف القوم وسل سخائمهم والرفق بهم في تثبيتهم على الايمان وأمره أن يدي القتلى ويرضي بذلك أولياء دمائهم الأحياء فبلغ أمير المؤمنين من ذلك مبلغ الرضا وزاد على الواجب فيما تبرع به عليهم من عطيته ما كان بقي في يده من الأموال وقال لهم قد أديت ديات القتلى وأعطيتكم بعد ذلك من المال ما تعودون به على مخلفيكم ليرضى الله عن رسوله وترضون بفضله عليكم وأظهر رسول الله ص بالمدينة ما اتصل بهم من البراءة من صنيع خالد فاجتمع براءة رسول الله ص مما جناه خالد واستعطاف أمير المؤمنين ع القوم بما صنعه بهم فتم بذلك الصلاح وانقطعت به مواد الفساد ولم يتول ذلك أحد غير أمير المؤمنين ع ولا قام به من الجماعة سواه ولا رضي رسول الله ص