الإمام الرازي في تفسيره وغيره وورد أيضا في الحديث الشريف يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فإذا هو لغة القرآن الكريم والسنة المطهرة لا لغة البراغيث وقد ارتكب هذه اللغة فحول الشعراء في شعرهم مرارا لا نحن وحدنا قال الشريف الرضي:
- سلوا مضجعي عني وعنها فإننا * رضينا بما يخبرن عنا المضاجع - وكان يمكنه أن يقول ترويه أو تحكيه عنا وقال أيضا:
- وما زلن العواطل كل يوم * من العلياء يذممن الحوالي - وقال أيضا:
- كم من نظام قد نثرن هواجسي * حتى نظمت العذر فيه فصولا - وقال الأمير أبو فراس الحمداني:
- وما سفرت عن ريق الحسن إنما * نممن على ما تحتهن المعاجر - - فلا طبن يوم الافتخار العناصر * يطان به القتلى خفاف حواذر - وهو في شعره كثير جدا يقف عليه المتتبع. وهما وإن لم يكونا من العرب العاربة لكن معرفتهما بالاستعمالات العربية الصحيحة لا تنكر.
4 كلمة مبغوض قال الأفصح مبغض إما مبغوض فهي لغة رديئة.
ونقول المنقول عن ثعلب وهو أحد أئمة النحو واللغة جوازها ولم يقل رديئة فقال يقال أبغضه وبغضه. وقال في قوله عز وجل اني لعملكم من القالين أي الباغضين فدل على أن بغض عنده لغة صحيحة نقله صاحب تاج العروس وغيره. ومع سعة اللغة العربية وتشعب أعرافها يجوز أن يطلع أحد الأئمة فيها على ما لم يطلع عليه غيره 5 ومما لم يعجبه في كلامنا قولنا: بيد أنه تعرضه أي الشعر المقبحات. قال وصوابه تعرض له لأن عرض لا يتعدى بنفسه.
ونقول: التضمين وارد في الكلام الفصيح فلنا أن نضمن عرض معنى أصاب قال الحماسي وهو تأبط شرا:
- بزني الدهر وكان غشوما * بأبي جاره ما يذل - ضمن بزني معنى فجعني أو نحوه.
6 رزؤه شك في حشا الدين سهما قال صوابه شك حشا الدين بسهم.
ويجاب عنه بما أجيب به عن سابقه بتضمين شك معنى أثبت.
7 وقد أجنب الخيل العتاق أمامه قال إن فيه سهوين استعمال أجنب وصوابه جنب وقوله أمامه والمجنوب لا يكون امام الراكب بل في جنبه.
ونقول: الفعل الثلاثي المتعدي إلى مفعول واحد يجوز تعديته إلى مفعولين بالهمزة كقولنا أجنبت زيدا الفرس أي أمرته بان يقوده إلى جنبه وجعلته جنيبا له والمفعول الأول في البيت محذوف أي أجنب خدامه الخيل العتاق فقولنا أجنب ليس فيه سهو أيضا فاجنب الخيل العتاق معناه أمر غيره أن يقودها إلى جنب القائد ويمشي أمامه. على أنه يمكن كون زيادة الألف خطا مطبعيا وإسناد الجنب إليه من باب الاسناد إلى السبب.
8 ويمسي الصبح ليلا بالجعود جمع جعد. قال ولم نسمع هذا الجمع في لغة الغزل قط. يعني أن الصواب في جمعه جعاد.
ونقول: جعد في الأصل وصف ولكثرة استعماله في وصف الشعر صار بمنزلة الجماد كالأدهم الذي هو في الأصل وصف فلما كثر استعماله صار بمنزلة الجامد ولذلك احتاج علماء النحو أن يخرجوا له وجها لمنعه من الصرف بعد ما صار جامدا فإنه لما كان وصفا كان فيه الوصف ووزن الفعل فلما صار جامدا لم يبق فيه ما يوجب منعه الصرف قال ابن مالك في ألفيته:
- والأدهم القيد لأنه وضع * في الأصل وصفا انصرافه منع - وقد جاء في شعر الشريف الرضي جمع سمك سموك قال:
بانيا ترفع السموك إلى أين * المراقي وقد بلغت السماكا 9 بحوب مع النسائم كل ارض قال النسيم جمعه أنسام ولم ترد نسيمة بمعنى النسيم حتى تجمع على نسائم.
ونقول ورد جمع فعيل على فعائل كضمير وضمائر وأفيل وأفائل.
والنسيم أسم جنس فلا مانع من دخول الهاء عليه للنص على الوحدة فيصح حينئذ جمعه على نسائم.
المؤاخذات الدينية وما يشبهها 10 ومن المعاتبات العاطفية التي تخللت مؤاخذاته اللغوية ما علقه على قولنا كما أن منعه عليه الصلاة والسلام من الخط لحكمة لا يدل على ذم الخط فقال قوله منعه يشعر بان سيدنا الرسول لا يجهل الخط وإنما هو ممنوع منه منعا ونعيذ الأستاذ أن يكون رأيه في هذه المسألة رأي بعض أهل مذهبه الذين احتجوا برواية عن بعضهم لا تصلح بحال من الأحوال ان تقيد أو تخصص صريح آية وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك أذن لأرتاب المبطلون ونحن نعيذ الأستاذ من أن يستشعر من كلامنا مثل هذا الاستشعار فالآية الكريمة دالة دلالة واضحة على أن النبي ص لم يكن قبل نزول القرآن الكريم عليه يقرأ ولا يكتب وانه من صغره إلى وقت نزول القرآن الشريف عليه لم يتعلم قراءة ولا كتابة ولو كان يقرأ ويكتب لارتاب المبطلون فظنوا أن هذا مما تعلمه بقراءته وكتابته ومرادنا بمنعه من الخط اقتضاء الحكمة الإلهية أن ينزل الله تعالى كتابه على غير كاتب وأما أهل مذهبنا الذين قال عنهم انهم احتجوا برواية الخ فلا نعلم من أراده بهم ولم يطرق سمعنا إلى الآن ان أحدا من أهل مذهبنا احتج برواية تقيد أو تخصص الآية وما هو دخل المذاهب في هذا الأمر انا نربا بعلم الأستاذ وفضله عن التعريض بالمذاهب وأمر كهذا يشبه أن يكون تاريخيا لا علاقة له بالمذاهب وهو الذي قال في أول كلامه انه ترك التعرض لتقريظ تصانيفنا في العلوم الدينية والجدلية تفاديا من المناقشة والجدل الممقوتين لديه فما عتم أن عاد إليه بأقوى لهجة وأشدها وبعد كتابة هذا وطبعه عثرنا على كلام للشيخ المفيد فقيه الامامية يثبت فيه ان النبي ص كان يحسن الكتابة بعد النبوة لا قبلها ويحتج لذلك بأن الكتابة صفة كمال وعدمها صفة نقص وهو عليه السلام جامع لجميع صفات الكمال وبأنه حاكم بين الناس والحاكم محتاج إلى معرفة الكتابة وبأنه لو كان لا يحسن الكتابة لكان محتاجا في فهم ما تضمنته الكتب من العقود إلى رعيته وبقوله تعالى: ويعلمهم الكتاب والحكمة ومحال ان يعلمهم الكتاب وهو لا يحسنه. ويحمل آية وما كنت تتلو من قبله من كتاب على ما قبل النبوة وسواء أ صح ما قاله المفيد أم لم يصح فليس هو بالأمر الذي يوجب كل هذا التهويل بقوله ونعيذ الأستاذ الخ.