في ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق أحد من الناس الا عبر ثم أنه عبر آخر الناس وازدحمت الخيل حين عبرت فسقطت قلنسوة عبد الرحمن بن أبي الحصين فنزل فاخذها وركب وسقطت قلنسوة عبد الله بن الحجاج فنزل فاخذها ثم ركب فقال لصاحبه: إن يكن ظن الزاجر الطائر صادقا كما يزعمون اقتل وشيكا وتقتل فقال عبد الرحمن ما شئ أحب إلي مما ذكرت فقتلا جميعا يوم صفين فلما عبر علي الفرات دعا زياد بن النضر وشريح بن هاني فسرحهما أمامه نحو معاوية على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة في اثني عشر ألفا فلقيهم أبو الأعور في جند أهل الشام فدعوهم إلى الدخول في طاعة أمير المؤمنين ع فأبوا فبعثوا إلى علي ع انا قد لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام فدعوناه وأصحابه إلى الدخول في طاعتك فأبوا فمرنا بامرك فأرسل علي الأشتر فقال يا مال إن زيادا وشريحا ارسلا إلي يعلماني انهما لقيا أبا الأعور في جند من أهل الشام بسور الروم فنباني الرسول أنه تركهم متواقفين فالنجاء إلى أصحابك النجاء فإذا اتيتهم فأنت الأمير عليهم وإياك أن تبدأ القوم بقتال الا أن يبدؤوك ولا يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم والاعذار إليهم مرة بعد مرة واجعل على ميمنتك زيادا وعلى ميسرتك شريحا وقف في القلب ولا تدن منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب ولا تتباعد منهم تباعد من يهاب الباس حتى أقدم عليك فاني حثيث السير إليك إن شاء الله وكتب إليهما اما بعد فاني امرت عليكما مالكا فاسمعا له وأطيعا امره فإنه ممن لا يخاف رهقه ولا سقاطه ولا بطؤه عما الاسراع إليه احزم ولا الاسراع إلى ما البطؤ عنه أمثل فقدم عليهم الأشتر وكف عن القتال فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور فثبتوا له واضطربوا ساعة ثم انصرف أهل الشام ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل ورجال حسن عدتها وعددها وخرج إليهم أبو الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل والرجال على الرجال فصبر القوم بعضهم لبعض ثم انصرفوا وبكر عليهم الأشتر فقتل منهم عبد الله بن المنذر التنوخي وكان فارس أهل الشام قتله ظبيان بن عمارة التميمي وهو فتى حدث السن واخذ الأشتر يقول ويحكم أروني أبا الأعور ثم رجع أبو الأعور بمن معه فوقفوا على تل من وراء المكان الذي كان فيه فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي انطلق إلى أبي الأعور فادعه إلى المبارزة فقال إلى مبارزتي أو مبارزتك قال إلى مبارزتي فقال الأشتر لو امرتك بمبارزته فعلت قال نعم والله الذي لا اله الا هو لو أمرتني أن اعترض صفهم بسيفي فعلت فقال يا ابن أخي أطال الله بقاءك قد والله ازددت فيك رغبة لا ما امرتك بمبارزته انما امرتك أن تدعوه إلى مبارزتي لأنه لا يبارز الا ذوي الكفاءة والأسنان والشرف وأنت بحمد الله من أهل الكفاءة والشرف لكنك حديث السن وليس يبارز الأحداث فاذهب إليه فادعه لمبارزتي فاتاه فقال امنوني فاني رسول فامنوه قال فاتيت أبا الأعور فقلت إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته فسكت طويلا ثم قال إن خفة الأشتر وسوء رأيه هو الذي دعاه إلى أجلاء عمال عثمان من العراق وافترائه عليه وإلى أن سار إليه في داره فقتله فيمن قتل لا حاجة لي في جوابك ولا الاستماع منك اذهب عني فصاح بي أصحابه فانصرفت ولو سمع مني لأخبرته بعذر صاحبي وحجته فرجعت إلى الأشتر فأخبرته أنه قد أبى المبارزة فقال لنفسه نظر فتواقفنا حتى حجز بيننا وبينهم الليل وبتنا متحارسين فلما أصبحنا نظرنا فإذا هم قد انصرفوا وصبحنا علي غدوة فسار نحو معاوية فتوافوا بقناصرين إلى جنب صفين وكان مع علي مائة وخمسون ألفا وقيل مائة ألف أو يزيدون ومع معاوية نحو ذلك وقيل كان أهل الشام أكثر من أهل العراق بالضعف. ويدل شعر بعض شعراء الشام أن أهل الشام كانوا سبعين ألفا وهو قوله:
- لله در كتائب جاءتكم * تبكي فوارسها على عثمان - - سبعون ألفا ليس فيهم قاسط * يتلون كل مفصل ومثاني - وإن صح أن أصحاب علي ع كانوا مائة وخمسين ألفا أو يزيدون فيكون الصواب أن أهل العراق يزيدون أهل الشام بالضعف والله أعلم.
وعلى مقدمة معاوية أبو الأعور السلمي سفيان بن عمرو وعلى ساقته بسر بن أرطأة العامري. وطلب علي موضعا لمعسكره وأمر الناس أن يضعوا اثقالهم فلما نزلوا تسرع فوارس من فوارس علي ع على خيلهم إلى معاوية وكانوا مائة وثلاثين ولم ينزل بعد معاوية فناوشوهم القتال واقتتلوا هويا (1) فكتب معاوية إلى علي: عافانا الله وإياك:
- ما أحسن العدل والإنصاف من عمل * وأقبح الطيش ثم النفش (2) في الرجل - * * * - اربط حمارك لا تنزع سويته (3) * إذا يرد وقيد العير (4) مكروب (5) - - ليست ترى السيد (6) زيدا (7) في نفوسهم * كما تراه بنو كور (8) ومرهوب (9) - - ان تسألوا الحق يعط الحق سائله * والدرع محقبة والسيف مقروب - - أو تأنفون (10) فانا معشر أنف * لا نطعم الضيم ان السم مشروب (11) - فامر علي الناس فوزعوا عن القتال حتى يأخذ أهل المصاف مصافهم ثم قال أيها الناس هذا مقام من نصف (12) فيه نصف يوم القيامة ومن فلج فيه فلج يوم القيامة فتراجع الناس إلى معسكرهم.
القتال على الماء فإذا أبو الأعور السلمي صاحب مقدمة معاوية قد سبق إلى سهول الأرض وسعة المنزل وشريعة الماء مكان افيح فاتاه الأشتر صاحب مقدمة علي ع في أربعة آلاف من مستبصري أهل العراق فأزالوا أبا الأعور عن