نصب أعينهم ولم ينكروا من يخطفه الموت منهم وسلموا لأمر خالقهم عز وجل.
وروى الكليني في الكافي باسناده عن قتيبة الأعشى قال: أتيت أبا عبد الله ع أعود أبنا له فوجدته على الباب فإذا هو مهتم حزين فقلت جعلت فداك كيف الصبي؟ فقال إنه لما به ثم دخل فمكث ساعة ثم خرج إلينا وقد أسفر وجهه وذهب التغير والحزن فطمعت أن يكون قد صلح الصبي فقلت كيف الصبي جعلت فداك؟ فقال قد مضى الصبي لسبيله، فقلت جعلت فداك لقد كنت وهو حي مغتما حزينا وقد رأيت حالك الساعة وقد مات غير تلك الحال فكيف هذا؟ فقال إنا أهل البيت إنما نجزع قبل المصيبة فإذا وقع أمر الله رضينا بقضائه وسلمنا لأمره.
وبسنده عن العلاء بن كامل قال: كنت جالسا عند أبي عبد الله ع فصرخت الصارخة من الدار فقام أبو عبد الله ع ثم جلس فاسترجع وعاد في حديثه حتى فرع منه ثم قال إنا لنحب أن نعافى في أنفسنا وأولادنا وأموالنا فإذا وقع القضاء فليس لنا أن نحب ما لم يحب الله لنا.
رابعها العبادة وكثرة ذكر الله روى الكليني في الكافي باسناده أنه أحصى على الصادق ع في سجوده خمسمائة تسبيحة. وبسنده عن إبان بن تغلب: دخلت على الصادق ع فعددت له في الركوع والسجود ستين تسبيحة. وروى الراوندي في الخرائج عن منصور الصيقل أنه رأى أبا عبد الله ع ساجدا في مسجد النبي ص قال فجلست حتى أطلت ثم قلت لأسبحن ما دام ساجدا فقلت سبحان ربي وبحمده استغفر ربي وأتوب إليه ثلثمائة ونيفا وستين مرة فرفع رأسه الحديث.
خامسها مكارم الأخلاق روى الزمخشري في ربيع الأبرار عن الشقراني مولى رسول الله ص قال: خرج العطاء أيام المنصور وما لي شفيع فوقفت على الباب متحيرا وإذا بجعفر بن محمد قد أقبل فذكرت له حاجتي فدخل وخرج وإذا بعطائي في كمه فناولني إياه وقال أن الحسن من كل أحد حسن وانه منك أحسن لمكانك منا، وأن القبيح من كل أحد قبيح وأنه منك أقبح لمكانك منا. قال سبط ابن الجوزي: وإنما قال له ذلك لأنه كان يشرب الشراب فوعظه على وجه التعريض وهذا من أخلاق الأنبياء اه.
سادسها الكرم والسخاء في حلية الأولياء بسنده عن الهياج بن بسطام: كان جعفر بن محمد ع يطعم حتى لا يبقى لعياله شئ. وفي مطالب السؤول: كان ع يقول لا يتم المعروف إلا بثلاثة: تعجيله وتصغيره وستره، ويأتي نظيره في حكمه وآدابه.
سابعها كثرة الصدقة روى الكليني في الكافي بسنده عن هشام بن سالم قال: كان أبو عبد الله ع إذا أعتم وذهب من الليل شطره أخذ جرابا فيه خبز ولحم ودراهم فحمله على عنقه ثم ذهب به إلى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسمه فيهم ولا يعرفونه فلما مضى أبو عبد الله ع فقدوا ذلك فعلموا أنه كان أبا عبد الله ع. ويأتي برواية أخرى في حكمه وآدابه.
مميزات القرن الثاني في عصر الإمام الصادق ع ولد ع سنة 80 أو 83 للهجرة وتوفي سنة 148 فمدة حياته 68 سنة، أدرك فيها ملك هشام بن عبد الملك إلى آخر دولة بني أمية، وأدرك من دولة بني العباس ملك السفاح وعشر سنين من ملك المنصور.
ومن مميزات هذا العصر انتشار العلوم الاسلامية فيه من التفسير والفقه والحديث وعلم الكلام والجدل والأنساب واللغة والشعر والأدب والكتابة والتاريخ والنجوم وغيرها.
وكان الإمام الصادق أشهر أهل زمانه علما وفضلا، قال مالك بن أنس أمام المذهب: ما رأت عيني أو ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد فضلا وعلما وعبادة وورعا وكان كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد.
وقال الحسن بن زياد: سمعت أبا حنيفة وقد سئل عن أفقه من رأيت قال جعفر بن محمد.
وقال ابن أبي ليلى: ما كنت تاركا قولا قلته أو قضاء قضيته لقول أحد ألا رجلا واحدا هو جعفر بن محمد.
ولم يقل أحد سلوني قبل أن تفقدوني إلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وولده جعفر بن محمد. روى الجنابذي في معالم العترة الطاهرة عن صالح بن الأسود: سمعت جعفر بن محمد يقول: سلوني قبل أن تفقدوني فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي. وكان ع يقول:
حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب وحديث علي حديث رسول الله.
وانتشر عنه من العلوم الجمة ما بهر به العقول، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه ولا لقي أحدا منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار ولا نقلوا عنهم ما نقلوا عنه فقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل ذكرهم الحافظ ابن عقدة الزيدي في كتاب رجاله وذكر مصنفاتهم فضلا عن غيرهم، واستدرك ابن الغضائري على ابن عقدة فزاد عليهم، وروى عنه راو واحد وهو أبان بن تغلب ثلاثين ألف حديث. وقال الحسن بن علي الوشاء: أدركت في هذا المسجد أي مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد. وبرز بتعليمه من الفقهاء والأفاضل جم غفير كزرارة بن أعين وأخويه بكر وحمران وجميل بن صالح وجميل بن دراج ومحمد بن مسلم الطائفي وبريد بن معوية وهشام بن الحكم وهشام بن سالم وأبي بصير وعبيد الله ومحمد وعمران الحلبيين وعبد الله بن سنان وأبي الصباح الكناني وغيرهم من أعيان الفضلاء. ونقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعات غير هؤلاء الأربعة الآلاف من أعيان الأئمة وأعلامهم مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وابن جريح ومالك بن انس والثوري وابن عيينة وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السختياني وجابر بن حيان الكوفي وأبان بن تغلب وأبو عمرو بن العلاء وعمرو بن دينار وآخرين غيرهم، ومن غلمانه أبو يزيد البسطامي وإبراهيم بن أدهم ومالك بن دينار. وكان السبب في انتشار علومه وكثرة الآخذين عنه أنه أدرك أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية، فأدرك الأولى في أيام ضعفها فتمكن من نشر علوم أجداده لقلة الخوف، وكانت الثانية في أولها لم تنجم فيها ناجمة الحسد لآل أبي طالب وهي دولة هاشمية ترى أن مثل جعفر الصادق من مفاخرها. وقد روي عنه في التفسير الشئ الكثير وكذلك في علم الكلام ورد الدهرية وحسبك من