وبهذا انتهت مهزلة تحكيم الحكمين التي دبرها عمرو بن العاص وشرى دينه بامارة مصر ثم إن معاوية بعد ما ولاه مصر عزله عنها وولاها عبد العزيز بن مروان بن الحكم فكتب إليه عمرو:
- معاوية الحال لا تجهل * وعن طرق الحق لا تعدل - - خلعت الخلافة من حيدر * كخلع النعال من الأرجل - - وألبستها لك يا ابن اللئام * كلبس الخواتم في الأنمل - - ولولاي كنت كمثل النساء * تعاف الخروج من المنزل - - ولم تك والله من أهلها * ورب العباد ولم تكمل - - فأين الحصى من نجوم السماء * وأين الحسام من المنجل - - وأين الثريا وأين الثرى * وأين معاوية من علي - - وأعطيت مصرا لعبد العزيز * ولم تعطني زبة الخردل - قال الشيخ محمد الأمير من كبار علماء مصر في حاشيته على المغني عند ذكر هذه الأبيات ما لفظه: وكانه رضي الله عنه تبين له خطا اجتهاده اه فانظر واعجب وقل له: لا ما تبين له خطا اجتهاده لأنه لم يكن مجتهدا الا في تحصيل حطام الدنيا وانما تبين له ان مصر التي باع بها دينه قد ذهبت منه انها لا تعمى الابصار ولكن...
وروى نصر انه دخل على علي عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص والمغيرة بن شعبة فسألوه عطاءهم وكانوا قد تخلفوا عنه في الجمل وصفين فقال ما خلفكم عني؟ قالوا قتل عثمان ولا ندري حل دمه أو لا وقد كان أحدث احداثا ثم استتبتموه فتاب ثم دخلتم في قتله فلسنا ندري أصبتم أم أخطأتم مع انا عارفون بفضلك يا أمير المؤمنين وسابقتك وهجرتك، قال علي أ لستم تعلمون ان الله قد امركم ان تامروا بالمعروف وتنهوا عن المنكر فقال وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله قال سعد اعطني سيفا يعرف الكافر من المؤمن، أخاف ان اقتل مؤمنا فادخل النار، قال لهم علي أ ليس قد بايعتم عثمان على السمع والطاعة فعلا م خذلتموه إن كان محسنا وكيف لم تقاتلوه إن كان مسيئا وقد ظلمتم إذ لم تقوموا بيننا وبين عدونا بما امركم الله به إذ قال قاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فردهم ولم يعطهم شيئا اه ويقال لسعد كان يلزم على الله تعالى حين أمر بقتال الطائفة الباغية ان ينزل سيوفا من السماء تعرف الباغي من المبغي عليه.
وروى نصر بسنده عن تميم بن جذيم الناجي انه أصيب بصفين من أهل الشام خمسة وأربعون ألفا وأصيب من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا.
* * * آخر الكلام على حرب صفين وانتهى تسويده عصير يوم الأحد خامس شعبان المعظم سنة 1354 على يد مؤلفه العبد الفقير محسن الأمين الحسيني العاملي بمنزله في قرية شقراء من جبل عامل صين عن الآفات والغوائل حامدا مصليا مسلما.
ارسال أمير المؤمنين ع قيس بن سعد واليا على مصر كان يلزم تقديم ذلك على وقعة صفين لكن أخرناه لتكون اخبار ولاة مصر متتابعة متوالية من سنة 36 إلى سنة 38.
في صفر سنة 36 أرسل أمير المؤمنين علي ع قيس بن سعد بن عبادة من المدينة إلى مصر واليا عليها. وكان ذا رأي وبأس وحزم ومن شيعة أمير المؤمنين ع ومناصحيه. قال ابن الأثير وإبراهيم بن سعد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات فيما حكاه عنه ابن أبي الحديد: قال أمير المؤمنين لقيس ائتها اي مصر بجند فان ذلك ارعب لعدوك وأعز لوليك وأحسن إلى المحسن واشدد على المريب وارفق بالعامة فان الرفق يمن فقال اما الجند فادعه لك واما ما وصيتني به من الرفق والاحسان فالله تعالى هو المستعان على ذلك فدخلها في سبعة من أهله وذلك يدل على حزمه وشدة ثقته بنفسه فصعد المنبر وامر بكتاب أمير المؤمنين ع فقرئ على أهل مصر بامارته ويامرهم بمبايعته ومساعدته على الحق ثم قام فخطب. خطبة مختصرة جمعت فأوعت فقال: الحمد لله الذي جاء بالحق وأمات الباطل وكبت الظالمين أيها الناس انا قد بايعنا خير من نعلم بعد نبينا فقوموا فبايعوا على كتاب الله وسنة رسوله فان نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم فبايعه الناس الا أهل قرية يقال لها خربتا كان أهلها عثمانية فهادنهم وجبى الخراج ليس أحد ينازعه وخرج أمير المؤمنين ع إلى الجمل ورجع وهو بمكانه فكان أثقل خلق الله على معاوية مخافة ان يقبل علي في أهل العراق وقيس في أهل مصر فيقع بينهما معاوية فكتب معاوية إلى قيس يلزمه بدم عثمان ويطلب منه مبايعته ويعده بسلطان العراق له وسلطان الحجاز لمن أحب من أهله فاجابه قيس مخادعا بأنه ينظر في ذلك فاجابه معاوية مصرحا وقال إنه ليس مثلي يصانع بالخداع ولا يخادع بالمكائد فاجابه قيس حينئذ جوابا صريحا وتهدده أيضا فايس منه معاوية وعمد إلى حيلة أخرى فاظهر لأهل الشام ان قيسا صار مواليا له مساعدا على الطلب بدم عثمان وزور كتابا عن قيس له بذلك وقرأه على أهل الشام فبلغ ذلك عليا من عيونه بالشام ومن محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر بن أبي طالب فأعظمه واكبره وقال والله ما أصدق بهذا عنه.
عزل قيس عن مصر وتولية محمد بن أبي بكر فأشار عليه عبد الله بن جعفر بعزل قيس وجاء كتاب قيس يخبر بحال أهل خربتا وكفه عن قتالهم فقال ابن جعفر ما أخوفني ان يكون ذلك ممالأة منه فمره بقتالهم فامره به فاجابه قد عجبت لأمرك بقتال قوم كافين عنك مفرغيك لعدوك ومتى حاددناهم ساعدوا عليك عدوك فأطعني يا أمير المؤمنين واكفف عنهم فان الرأي تركهم فقال ابن جعفر يا أمير المؤمنين ابعث محمد بن أبي بكر على مصر واعزل قيسا فقد بلغني ان قيسا يقول إن سلطانا لا يستقيم الا بقتل مسلمة بن مخلد لسلطان سوء وكان ابن جعفر أخا محمد بن أبي بكر لأمه أمهما معا أسماء بنت عميس فولى محمدا مصر فغضب قيس وذهب إلى المدينة فشمت به حسان بن ثابت وكان عثمانيا فقال له قتلت عثمان وعزلك علي فبقي عليك الاثم ولم يحسن لك الشكر فقال له قيس يا أعمى القلب والبصر والله لولا أن القي بين قومي وقومك حربا لضربت عنقك اخرج عني ثم خرج قيس هو وسهل بن حنيف إلى علي فشهدا معه صفين وكتب أمير المؤمنين ع مع محمد كتابا إلى أهل مصر يخاطبهم فيه ويخاطب محمدا وهو كتاب طويل جدا جليل يشتمل على وصايا جليلة وآداب عظيمة قال إبراهيم فكان محمد ينظر في هذا الكتاب ويتأدب بآدابه فلما قتله عمرو بن العاص بعث به إلى معاوية ينظر فيه ويتعجب منه فقال له الوليد بن عقبة مر بهذه الأحاديث ان تحرق فقال لا ارى ذلك قال أ فمن الرأي ان يعرف الناس ان أحاديث أبي تراب عندك