أشد من تغليسه يومئذ ثم خرج بالناس إلى أهل الشام فزحف إليهم وكان هو يبدأهم فيسير إليهم فإذا رأوه وقد زحف استقبلوه بزحوفهم فدعا بدعاء قال في آخره: ان أظهرتنا على عدونا فجنبنا البغي وسددنا للحق وان أظهرتهم علينا فارزقنا الشهادة واعصم بقية أصحابي من الفتنة. وكان على ميمنته يومئذ عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعلى ميسرته عبد الله بن العباس وقراء العراق مع ثلاثة نفر مع عمار بن ياسر وقيس بن سعد وعبد الله بن بديل والناس على راياتهم ومراكزهم وعلي في القلب في أهل المدينة والكوفة والبصرة وعظم من معه من المدينة الأنصار ومعه من خزاعة عدد حسن ومن كنانة وغيرهم من أهل المدينة ثم زحف علي بالناس إليهم ورفع معاوية قبة له عظيمة قد ألقى عليها الكرابيس وجلس تحتها وزحف عبد الله بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة فلم يزل يحوزه ويكشف خيله من الميسرة حتى اضطرهم إلى قبة معاوية عند الظهر.
تحريض علي ع ووصاياه لعسكره وجعل أمير المؤمنين ع يحرض أصحابه ويوصيهم وصايا مهمة في الحرب فقال: ان الله قد دلكم على تجارة تنجيكم من العذاب ايمان بالله ورسوله وجهاد في سبيله وجعل ثوابه مغفرة الذنب ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر وأخبركم بالذي يحب فقال إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص. فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص وقدموا الدارع وأخروا الحاسر وعضوا على الأضراس فإنه أنبأ للسيوف عن الهام وأميتوا الأصوات فإنه اطرد للفشل واولى بالوقار والتووا في أطراف الرماح فإنه أمور للأسنة وراياتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها ولا تجعلوها الا في أيدي شجعانكم المانعي الذمار. ثم ذكر كلاما معناه النهى عن أن يكل الرجل قرنه إلى أخيه بل يواسيه بنفسه. وقال وأيم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلمون من سيف الآخرة واستعينوا بالصدق والصبر فإنه بعد الصبر ينزل الصبر. وطلب معاوية إلى عمرو بن العاص ان يسوي صفوف أهل الشام فقال له عمرو على أن لي حكمي ان قتل الله ابن أبي طالب واستوسقت لك البلاد فقال أ ليس حكمك في مصر قال وهل مصر تكون عوضا عن الجنة وقتل ابن أبي طالب ثمنا لعذاب النار فقال معاوية ان لك حكمك أبا عبد الله ان قتل ابن أبي طالب رويدا لا يسمع أهل الشام كلامك فقال لهم عمرو يا معشر أهل الشام سووا صفوفكم وأعيروا ربكم جماجمكم وجاهدوا عدو الله وعدوكم واقتلوهم قتلهم الله وأبادهم واصبروا ان الأرض يورثها من يشاء والعاقبة للمتقين. وطلب معاوية إلى ذي الكلاع ان يخطب الناس ويحرضهم على قتال علي وأهل العراق وكان من أعظم أصحاب معاوية خطرا فقعد على فرسه وخطب خطبة طويلة قال في آخرها كان مما قضي الله ان ضم بيننا وبين أهل ديننا بصفين وانا لنعلم ان فيهم قوما كانت لهم مع رسول الله ص سابقة ذات شأن وخطر عظيم ولكنني ضربت الأمر ظهرا وبطنا فلم أر يسعني ان يهدر دم عثمان وعدد فضائله ثم قال فإن كان أذنب فقد أذنب من هو خير منه قال الله عز وجل لنبيه ص ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وقتل موسى نفسا ثم استغفر الله فغفر له وأذنب نوح فاستغفر الله فغفر له وأذنب أبوكم آدم ثم استغفر فغفر له وانا لنعلم انها كانت لابن أبي طالب سابقة حسنة مع رسول الله ص فإن لم يكن مالأ على قتل عثمان فقد خذله ثم قد اقبلوا من عراقهم حتى نزلوا في شامكم وبلادكم وانما عامتهم بين قاتل وخاذل ولقد رأيت في منامي لكانا وأهل العراق اعتورنا مصحفا نضربه بسيوفنا ونحن في ذلك جميعا ننادي ويحكم الله.
حجر الخير وحجر الشر روى نصر بسنده عن الشعبي ان أول فارسين التقيا في اليوم السابع من صفر وكان من الأيام العظيمة في صفين ذا أهوال شديدة حجر الخير وحجر الشر اما حجر الخير فهو حجر بن عدي صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع وحجر الشر ابن عمه حجر بن يزيد وذلك أن حجر الشر دعا حجر بن عدي إلى المبارزة وكلاهما من كندة فاجابه فاطعنا برمحيهما ثم حجز بينهما خزيمة بن ثابت الأسدي وكان مع معاوية فضرب حجرا ضربة كسر رمحه وحمل أصحاب علي فقتلوا الأسدي وأفلتهم حجر الشر وحمل حجر الشر على الحكم بن أزهر وهو يرتجز ويقول:
- انا الغلام اليمني الكندي * قد لبس الديباج والافرندي - - انا الشريف الأريحي المهدي (1) * يا حكم بن أزهر بن فهد - - لقد أصبت غارتي وحدي * وكرتي وشدتي وجدي - - أثبت أقاتلك الغداة وحدي - فقتل الحكم فحمل رفاعة بن ظالم الحميري ابن عم الحكم على حجر الشر فقتله فقال علي الحمد الله الذي قتل حجر الشر بالحكم بن أزهر.
وروى نصر عن عمرو بن شمر عن جابر عن تميم ان عليا قال من يذهب بهذا المصحف إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى ما فيه فاقبل فتى اسمه سعيد بن قيس فقال أنا صاحبه ثم أعادها فسكت الناس وقال الفتى أنا صاحبه فقال دونك واتى معاوية فقرأه عليهم ودعاهم إلى ما فيه فقتلوه وقال معاوية لعمرو بن العاص ائت ببني أبيك فقاتل بهم فإنه ان يكن عند أحد خير فعندهم فاتى جماعة أهل اليمن فقال أنتم اليوم الناس وغدا لكم الشأن هذا يوم له ما بعده من الأمر احملوا معي على هذا الجمع قالوا نعم فحملوا وحمل عمرو وهو يقول:
- أكرم بجمع طيب يماني * جدوا تكونوا أوليا عثمان - - خليفة الله على تبيان - فحمل عليه عمرو بن الحمق وهو يقول:
- بؤسا لجند ضائع يماني * مستوسقين كاتساق الضأن - - تهوي إلى راع لها وسنان * اقحمها عمرو إلى الهوان - - يا ليت كفي عدمت بناني * وانكم بالشحر (2) من عمان - مقتل حوشب ذي ظليم وخرج حوشب ذو ظليم وهو يومئذ سيد أهل اليمن في جمعه وصاحب لوائه يقول:
- نحن اليمانيون منا حوشب * وذو ظليم أين منا المهرب - - فينا الصفيح والقنا المغلب * والخيل أمثال الوشيج شزب - - ان العراق حبلها مذبذب * ان عليا فيكم محبب - - في قتل عثمان وكل مذنب - فحمل عليه سليمان بن صرد الخزاعي وهو يقول: