الله ص بني النضير إلى خيبر لنقضهم العهد خرج جماعة من أشرافهم إلى مكة منهم حيي بن اخطب وسلام بن مشكم وكنانة بن أبي الحقيق فألبوا قريشا وعاهدوهم على قتال رسول الله ص ووعدوهم لذلك موعدا. ثم اتوا غطفان وسليما ففارقوهم على مثل ذلك وتجهزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب فكانوا أربعة آلاف والأحابيش قوم من العرب خارج مكة وهم بنو المصطلق وبنو الهون بن خزيمة كانوا حلفاء قريش وسموا الأحابيش لأنهم اجتمعوا عند جبل بأسفل مكة اسمه حبشي وتحالفوا على أنهم مع قريش يد واحدة على غيرهم ما سبح ليل وما وضح نهار وما رسا حبشي مكانه وعقدوا اللواء في دار الندوة فحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة من بني عبد الدار وهو الذي قتل علي ع أباه يوم أحد وهو غير عثمان بن أبي طلحة الذي قتل يوم أحد فذاك عمه وقادوا ثلثمائة فرس ومعهم ألف وخمسمائة بعير وقائدهم أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية ووافتهم بنو سليم بمر الظهران سبعمائة وقائدهم سفيان بن عبد شمس حليف حرب بن أمية وهو والد أبي الأعور السلمي الذي كان مع معاوية بصفين فبينهما صلة قديمة جاهلية لم يغيرها الاسلام وخرجت معهم بنو أسد يقودهم طلحة بن خويلد وفزارة ألف يقودهم عيينة بن حصن وأشجع أربعمائة وبنو مرة أربعمائة مع قائدين لهم فكان جميع من ورد الخندق عشرة آلاف وهم الأحزاب وكانوا ثلاثة عساكر ورئيس الكل أبو سفيان ولما تهيئوا للخروج اتى ركب من خزاعة في أربع ليال فأخبروا رسول الله ص فأخبر الناس وندبهم فأشار سلمان بالخندق فحفروه في ستة أيام أو أكثر ففرغوا منه قبل مجئ قريش والمسافة بين مكة والمدينة عشرة أيام بسير الإبل ومسير جيش فيه عشرة آلاف ان لم يزد على عشرة أيام لم ينقص فإذا انقصنا منها أربعة أيام التي سارها ركب خزاعة بقي ستة هذا ان لم تكن قريش تأخرت عن مسير الركب يوما أو أكثر. ورفع المسلمون النساء والصبيان في الآطام جمع اطم كأصنام وصنم وهو بناء كالحصن وهذه الآطام كانت من بين بيوت المدينة وكانت المدينة مشبكة بالبنيان والنخيل من سائر جوانبها الا جانبا واحدا وهو الذي فيه الخندق ولا يتمكن أحد من الدخول إليها الا من ذلك الجانب فلذلك جعلوا النساء والذراري في الآطام ومنه يعلم أن الخندق لم يكن على جميع جوانب المدينة بل على بعض جوانبها كما مر في الجزء الثاني وأقبلت قريش بعد حفر الخندق فنزلت بمجتمع الأسيال ونزلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد إلى جانب أحد وخرج رسول الله ص في ثلاثة آلاف فعسكر إلى سفح سلع وهو جبل فوق المدينة فجعل سلعا خلف ظهره والخندق بينه وبين القوم. وكانت اليهود ثلاثة بطون معاهدين له ص بنو قينقاع وبنو النضير وقريظة فنقض الأولان العهد وبقيت قريظة فدس أبو سفيان حيي بن اخطب إلى كعب بن أسد سيد قريظة لينقضوا العهد فلم يقبل فلم يزل به حتى وبلغ رسول الله ص ذلك فكتمه واحتال نعيم بن مسعود بحيلة مرت في الجزء الثاني خذل بها بين قريش وقريظة وعظم البلاء واشتد الخوف واتاهم عدوهم من فوقهم قريظة و النضير وغطفان ومن أسفل منهم قريش ومن تبعها حتى ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق وكانوا كما قال الله تعالى إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، إلى قوله: غرورا وبقي المشركون محاصرين المدينة قريبا من شهر ولم يكن بينهم الا الحصار والترامي بالنبل والحصى فلما اشتد البلاء على الناس ارسل رسول الله ص إلى قائدي غطفان فبذل لهما ثلث ثمار المدينة ليرجعا بمن معهما فلم يرضى بذلك سعد بن معاذ وسعد بن عبادة لما اخبرهما انه من باب الرأي وليس بأمر سماوي.
قتل عمرو بن عبد ود وجاء فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل ونوفل بن عبد الله بن المغيرة وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان وضرار بن الخطاب الفهري تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق فصاروا إلى مكان ضيق فيه كان قد أغفله المسلمون فاكرهوا خيولهم فطفرت بهم فوق الخندق وجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وصاروا هم والمسلمون على صعيد واحد. قال ابن هشام والطبري:
وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى اخذ عليهم الثغرة التي اقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان عمرو ومن معه تعنق نحوهم نحو المسلمين وقد كان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله قال من يبارز فبرز له علي بن أبي طالب فقال له يا عمرو انك كنت تعاهد الله ان لا يدعوك رجل من قريش إلى خلتين الا أخذت منه إحداهما قال أجل قال له علي فاني أدعوك إلى الله عز وجل وإلى رسوله وإلى الاسلام قال لا حاجة لي بذلك قال فاني أدعوك إلى النزال قال ولم يا ابن أخي فوالله ما أحب ان أقتلك قال علي ولكني والله أحب ان أقتلك فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره أو ضرب وجهه ثم اقبل على علي فتنازلا وتجاولا فقتله علي ع وخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت الخندق هاربة الخبر.
وقال الطبري في تاريخه والمفيد في ارشاده واللفظ مقتبس من كليهما وربما زاد أحدهما على الآخر: انتدبت فوارس من قريش للبراز منهم عمرو بن عبد ود بن أبي قيس أخو بني عامر ابن لؤي بن غالب وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان وضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري أخو بني محارب بن فهر قد تلبسوا للقتال ثم مروا بمنازل بني كنانة فقالوا تهيئوا يا بني كنانة للحرب ثم اقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق ثم تيمموا مكانا من الخندق فيه ضيق فضربوا خيلهم فاقتحمته وجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع وخرج أمير المؤمنين علي ع في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموها، قال المفيد فتقدم عمرو بن عبد ود الجماعة الذين خرجوا معه وقد اعلم ليرى مكانه فلما رأى المسلمين وقف هو والخيل التي معه وقال هل من مبارز فبرز إليه أمير المؤمنين فقال له عمرو أرجع يا ابن الأخ فما أحب ان أقتلك فقال له أمير المؤمنين قد كنت يا عمرو عاهدت الله ان لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خصلتين الا اخترتها منه قال فما ذاك قال إني أدعوك إلى الله ورسوله والاسلام قال لا حاجة لي إلى ذلك قال فاني أدعوك إلى النزال فقال ارجع فقد كان بيني وبين أبيك خلة وما أحب أن أقتلك قال لكني والله أحب ان أقتلك ما دمت آتيا للحق فحمي عمرو عند ذلك وقال أ تقتلني ونزل عن فرسه فعقره أو ضرب وجهه حتى نفر واقبل على علي مصلتا بسيفه وبدره بالسيف فنشب سيفه في ترس علي ع فضربه أمير المؤمنين ع ضربة فقتله فلما رأى عكرمة وهبيرة وضرار عمرا صريعا ولوا بخيلهم منهزمين حتى اقتحموا الخندق لا يلوون إلى شئ وانصرف أمير المؤمنين إلى مقامه الأول وقد كادت نفوس الذين خرجوا معه إلى الخندق تطير جزعا وهو يقول: