ص من جفاة أهل مكة الهزيمة تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن فقال أبو سفيان بن حرب لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، والأزلام معه في كنانته، وقال رجل ألا بطل السحر اليوم، إلى غير ذلك. قال المفيد: وفي ثبات من ثبت مع النبي ص يقول مالك بن عبادة الغافقي:
- لم يواس النبي غير بني ها * شم عند السيوف يوم حنين - - هرب الناس غير تسعة رهط * فهم يهتفون بالناس أين - - ثم قاموا مع النبي على الموت * فاتوا زينا لنا غير شين - - وثوى أيمن الأمين من القوم * شهيدا فاعتاض قرة عين - وقال العباس بن عبد المطلب في هذا المقام ومر له بيتان منها برواية أخرى:
- نصرنا رسول الله في الحرب تسعة * وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا - - وقولي إذا ما الفضل شد بسيفه * على القوم أخرى يا بني ليرجعوا - - وعاشرنا لاقي الحمام بنفسه * لما ناله في الله لا يتوجع - يعني به أيمن ابن أم أيمن، قال المفيد في الارشاد: واقبل رجل من هوازن على جمل له احمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل امام القوم إذا أدرك ظفرا من المسلمين أكب عليهم وإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشركين فاتبعوه وهو يرتجز ويقول:
- انا أبو جرول لا براح * حتى نبيح القوم أو نباح - فصمد له علي ع فضرب عجز بعيره فصرعه ثم ضربه فقطره ثم قال:
- قد علم القوم لدى الصباح * إني في الهيجاء ذو نطاح - فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول ثم التام الناس وصفوا للعدو فقال رسول الله ص اللهم انك أذقت أول قريش نكالا فأذق آخرها ذلك وتجالد المسلمون والمشركون فلما رآهم النبي ص قام في ركابي السرج حتى أشرف على جماعتهم ثم قال: الآن حمي الوطيس:
- أنا النبي لا كذب * انا ابن عبد المطلب - فما كان بأسرع من أن ولى القوم على ادبارهم وجئ بالأسارى إلى رسول الله ص مكتفين ولما قتل علي ع أبا جرول وخذل القوم بقتله وضع المسلمون سيوفهم فيهم وعلي ع يقدمهم حتى قتل أربعين رجلا من القوم ثم كانت الهزيمة والأسر حينئذ وما زال المسلمون يقتلون ويأسرون منهم حتى ارتفع النهار وأدرك ربيعة بن رفيع دريد بن الصمة فاخذ بخطام جمله وهو يظنه امرأة لأنه كان في هودج فإذا شيخ كبير أعمى ولا يعرفه الغلام فقال له دريد ما تريد قال أقتلك قال ومن أنت قال أنا ربيعة بن رفيع السلمي ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئا فقال له بئس ما سلحتك أمك خذ سيفي هذا من مؤخرة الرحل ثم اضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماع فاني كذلك كنت اضرب الرجال وإذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة فرب يوم قد منعت فيه نساءك فلما رجع ربيعة إلى امه اخبرها بقتله إياه فقالت والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا امه وجدتيه وقيل إن دريدا قتل يوم أوطاس.
قال ابن إسحاق ولما انهزم المشركون اتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف وعسكر بعضهم بأوطاس وتوجه بعضهم نحو نخلة.
ثم جمعت إلى رسول الله ص سبايا حنين وأموالها فامر رسول الله ص بالسبايا والأموال إلى الجعرانة فحبست بها واخر قسمتها حتى رجع من حصار الطائف.
ومضى الدكتور محمد حسين هيكل المصري في كتابه حياة محمد ص على عادته في غمط حق علي بن أبي طالب لما لا يعلمه إلا الله فلم يورد له في هذه الغزاة اسما فضلا عن أن يسند إليه جهادا أو عملا فلم يذكر إن لواء المهاجرين كان معه واقتصر على قوله يتقدم كل قبيلة علمها ولم يذكر اسمه في الذين ثبتوا مع النبي ص حين انهزم الناس واقتصر على قوله وثبت محمد مكانه وأحاط به جماعة من المهاجرين والأنصار وأهل بيته. مع أنك قد عرفت أنه لم يكن مع أهل بيته الا أيمن وبعضهم قال أسامة وبعضهم قال ابن مسعود وما روي غير ذلك لا أصل له ومع ذلك فقد ذكرهم أخيرا ولم يذكر اسم علي الذي كان يضرب بالسيف بين يدي النبي ص وهل يمكن أن لا يكون كذلك لو لم ترد به رواية أ ليس هذا غمطا لحقه ثم لما ذكر خبر أبي جرول لم يزد على قوله انحدرت هوازن من مكامنها يتقدمها رجل على جمل له احمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل وهو كلما أدرك المسلمين طعن برمحه. ولم يذكر قتل علي له واتباعه المشركين ولا ذكر قتل علي أربعين من المشركين ولا تعرض لشئ من ذلك أصلا. ومما لا يكاد ينقضي منه العجب قوله في ذكر هذه الغزوة: وثارت بمحمد حميته فأراد أن يندفع ببغلته البيضاء في صدر هذا السيل الدافق من رجال العدو وليكن بعد ذلك أمر الله لكن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب أمسك بخطام بغلته وحال دون تقدمها اه فقد نسب إلى النبي ص التهور وعدم التعقل وحاشاه بإرادة الاندفاع ببغلته وليس معه الا تسعة نفر أو أربعة على ثلاثين ألفا من هوازن وإن أبا سفيان بن الحارث كان أكثر منه تعقلا ونظرا في العواقب فامسك بخطام البغلة وحال دون تقدمها. مع أنك قد عرفت أنه أمسك بسرجها عند نفورها.
غزوة أوطاس والطائف قال المفيد في الارشاد: لما فض الله جمع المشركين بحنين تفرقوا فرقتين فأخذت الاعراب ومن تبعهم إلى أوطاس واخذت ثقيف ومن تبعها إلى الطائف فبعث النبي ص أبا عامر الأشعري إلى أوطاس في جماعة منهم أبو موسى الأشعري وبعث أبا سفيان صخر بن حرب إلى الطائف فاما أبو عامر فإنه تقدم بالراية وقاتل حتى قتل دونها فقال المسلمون لأبي موسى أنت ابن عم الأمير وقد قتل فخذ الراية حتى تقاتل دونها فاخذها أبو موسى فقاتل هو والمسلمون حتى فتح الله عليهم واما أبو سفيان فإنه لقيته ثقيف فضربوه على وجهه فانهزم ورجع إلى النبي ص فقال بعثتني مع قوم لا يدفع بهم البلاء ولا يرفع بهم الدلاء من هذيل والاعراب فما أغنوا عني شيئا فسكت النبي ص وأبو سفيان الذي اغتبط بهزيمة المسلمين يوم حنين لم يكن يسعى لنصرهم يوم الطائف قال المفيد: ثم سار النبي ص بنفسه إلى الطائف فحاصرهم أياما وانفذ عليا ع في خيل وأمره أن يطأ ما وجده ويكسر كل صنم وجده فخرج حتى لقيته خيل خثعم في جمع كثير فبرز له رجل من القوم يقال له شهاب في غبش من الصبح فقال هل من مبارز فقال أمير المؤمنين ع من له فلم يقم إليه أحد فقام إليه أمير المؤمنين ع فوثب أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي ص فقال تكفاه أيها الأمير فقال لا ولكن إن قتلت فأنت على الناس فبرز إليه علي ع وهو يقول: