الرحبة التي يقال لها رحبة علي في اخصاص كانت فيها ولم ينزل القصر الذي كانت تنزله الولاة قبله اه ولعله نزل أولا على جعدة ثم نزل الرحبة ولكن يظهر من بعض أحاديث وفاته انها كانت بالقصر فيكون قد نزله بعد ذلك. وأقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلى فيه ركعتين.
أول خطبة خطبها علي ع بالكوفة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ص وقال: اما بعد يا أهل الكوفة فان لكم في الإسلام فضلا ما لم تبدلوا وتغيروا دعوتكم إلى الحق فأجبتم وبدأتم بالمنكر فغيرتم إلا أن فضلكم فيما بينكم وبين الله فاما في الأحكام والقسم فأنتم أسوة من أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه إلا أن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، فاما اتباع الهوى فيصد عن الحق واما طول الأمل فينسي الآخرة ألا ان الدنيا قد ترحلت مدبرة والآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل واحدة منهن بنون فكونوا من أبناء الآخرة، اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل الحمد لله الذي نصر وليه وخذل عدوه وأعز أنصار الحق وأذل الناكث المبطل عليكم بتقوى الله وطاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم الذين هم أولي بطاعتكم فيما أطاعوا الله فيه من المنتحلين المدعين المقبلين لنا يتفضلون بفضلنا ويجاحدوننا امرنا وينازعونا حقنا ويدافعوا بنا عنه فقد ذاقوا وبال ما اجترحوا فسوف يلقون غيا إلا أنه قد قعد عن نصرتي منكم رجال فانا عليهم عاتب زار فاهجروهم واسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا ليعرف بذلك حزب الله عند الفرقة.
فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعي وكان صاحب شرطته فقال والله اني لأرى الهجر وسماع المكروه لهم قليلا والله لئن امرتنا لنقتلهم فقال علي سبحان الله يا مال جزت المدى وعدوت الحد وأغرقت في النزع فقال يا أمير المؤمنين:
- لبعض الغشم أبلغ في أمور * تنوبك من مهادنة الأعادي - فقال علي ع هكذا قضى الله يا مال، قال النفس بالنفس فما بال الغشم وقال ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا، والإسراف في القتل ان تقتل غير قاتلك فقد نهى الله عنه وذلك هو الغشم. فقام إليه أبو بردة بن الأعوف الأزدي وكان ممن تخلف عنه فقال يا أمير المؤمنين أرأيت القتلى حول عائشة والزبير وطلحة بم قتلوا قال قتلوا شيعتي وعمالي وقتلوا أخا ربيعة العبيدي رحمة الله عليه في عصابة من المسلمين قالوا لا تنكث كما نكثتم ولا نغدر كما غدرتم فوثبوا عليهم فقتلوهم فسألتهم ان يدفعوا إلي قتلة اخواني اقتلهم بهم ثم كتاب الله حكم بيني وبينهم فأبوا علي وقاتلوني وفي أعناقهم بيعتي ودماء قريب من ألف رجل من شيعتي فقتلتهم بهم أ في شك أنت من ذلك؟ قال قد كنت في شك فاما الآن فقد عرفت واستبان لي خطا القوم وإنك أنت المهدي المصيب. قال نصر: وكان أشياخ الحي يذكرون انه كان عثمانيا وقد شهد مع علي على ذلك صفين لكنه بعد ما رجع كان يكاتب معاوية فلما ظهر معاوية اقطعه قطيعة بالفلوجة وكان عليه كريما. ثم إن عليا تهيا لينزل وقام رجال ليتكلموا فلما رأوه نزل جلسوا وسكتوا. وفي رواية انه لما قدم الكوفة نزل على باب المسجد فدخل وصلى ثم تحول فجلس إليه الناس فسال عن رجل من أصحابه كان ينزل الكوفة فقيل استأثر الله به فقال إن الله لا يستأثر بأحد من خلقه إنما أراد الله بالموت إعزاز نفسه وإذلال خلقه. وقرأ: وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم.
ودخل عليه سليمان بن صرد الخزاعي فعاتبه وعذله وقال له: ارتبت وتربصت وراوغت وقد كنت من أوثق الناس في نفسي وأسرعهم فيما أظن إلى نصرتي فما قعد بك عن أهل بيت نبيك وما زهدك في نصرهم فقال يا أمير المؤمنين لا تردن الأمور على أعقابها ولا تؤنبني بما مضى فيها واستبق مودتي تخلص لك نصيحتي وقد بقيت أمور تعرف بها وليك من عدوك فسكت عنه. وجلس سليمان قليلا ثم نهض فخرج إلى الحسن بن علي وهو قاعد في المسجد فقال ألا أعجبك من أمير المؤمنين وما لقيت منه من التبكيت والتوبيخ فقال له الحسن انما يعاتب من ترجى مودته ونصيحته فقال إنه بقيت أمور سيستوسق فيها القنا وينتضى فيها السيوف ويحتاج فيها إلى اشباهي فلا تستشبعوا غيبتي ولا تتهموا نصيحتي فقال له الحسن رحمك الله ما أنت عندنا بالظنين.
ودخل عليه سعد بن قيس فسلم عليه، فقال له علي وعليك السلام وإن كنت من المتربصين فقال حاش الله يا أمير المؤمنين لست من أولئك قال فعل الله ذلك.
ودخل عليه مخنف بن سليم فإذا بين يديه رجال يؤنبهم وهم عبد الله بن المعتم العبسي وحنظلة بن الربيع التميمي وكانت لهما صحبة وأبو بردة بن عوف الأزدي وغريب بن شرحبيل الهمداني وهو يقول لهم ما أبطأ بكم عني وأنتم أشراف قومكم والله لئن كان من ضعف النية وتقصير البصيرة انكم لبور وإن كان من شك في فضلي ومظاهرة علي انكم لعدو قالوا حاش الله يا أمير المؤمنين نحن سلمك وحرب عدوك ثم اعتذروا بمرض أو غيبة أو عذر آخر ونظر إلى مخنف فقال لكن مخنف بن سليم وقومه لم يتخلفوا ولم يكن مثلهم مثل القوم الذين قال الله تعالى وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كان لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما.
وأتم علي الصلاة يوم دخل الكوفة فلما كانت الجمعة وحضرت الصلاة صلى بهم وخطب وأقام بالكوفة واستعمل العمال فبعث يزيد بن قيس الأرحبي على المدائن جوخى كلها وبعث مخنف بن سليم على أصبهان وهمدان فلما هرب بالمال قال عذرت. القردان فما بال الحلم (1) وبعث قرظة بن كعب على البهقباذات وقدامة بن مظعون الأزدي على كسكر وعدي ابن الحارث على مدينة بهرسير (2) واستانها (3) وأبا حسان البكري على ستان العالي وسعد بن مسعود الثقفي على استان الزوابي وربعي بن كأس (4) على سجستان وخليد إلى خراسان فلما دنا من نيسابور بلغه ان أهل خراسان قد كفروا ونزعوا أيديهم من الطاعة وقدم عليهم عمال كسرى من كابل فقاتل