رسول الله ص ذات الفضول فلبسها فتدلت على بطنه فرفعها بيده وقال لبعض أهله فحزم وسطه بعمامة وتقلد ذا الفقار، ودفع إلى ابنه محمد راية رسول الله السوداء وتعرف بالعقاب، وقال لحسن وحسين ع انما دفعت الراية إلى أخيكما وتركتكما لمكانكما من رسول الله ص قال وطاف علي على أصحابه وهو يقرأ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا أن نصر الله قريب ثم قال أفرع الله علينا وعليكم الصبر وأعز لنا ولكم النصر وكان لنا ولكم ظهيرا في كل أمر، ثم رفع مصحفا بيده فقال من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إلى ما فيه وله الجنة؟ فقام غلام شاب اسمه مسلم عليه قباء أبيض فقال انا آخذه، فنظر إليه علي وقال يا فتى إن أخذته فان يدك اليمنى تقطع فتأخذه بيدك اليسرى فتقطع ثم تضرب بالسيف حتى تقتل، فقال الغلام لا صبر لي على ذلك فنادى علي ثانية فقام الغلام وأعاد عليه القول وأعاد الغلام القول مرارا حتى قال الغلام: انا آخذه وهذا الذي ذكرت في الله قليل، فاخذه وانطلق فلما خالطهم ناداهم: هذا كتاب الله بيننا وبينكم فضربه رجل فقطع يده اليمنى فتناوله باليسرى فضربه أخرى فقطع اليسرى فاحتضنه وضربوه بأسيافهم حتى قتل فقالت أم ذريح العبدية في ذلك:
- يا رب أن مسلما اتاهم * بمصحف أرسله مولاهم - - للعدل والايمان قد دعاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم - - فخضبوا من دمه ظباهم * وأمهم واقفة تراهم - - تامرهم بالغي لا تنهاهم - فعند ذلك أمر علي ع ولده محمدا أن يحمل بالراية فحمل وحمل معه الناس واستحر القتل في الفريقين وقامت الحرب على ساق.
وروى الطبري في تاريخه هذه القصة بما يخالف ذلك بعض المخالفة فقال: اخذ علي مصحفا يوم الجمل فطاف به في أصحابه وقال من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلى ما فيه وهو مقتول فقام إليه فتى من أهل الكوفة عليه قباء أبيض محشو اسمه مسلم بن عبد الله فقال انا، فاعرض عنه ثم اعاده ثانيا، فقال الفتى انا، فاعرض عنه ثم اعاده الثالثة، فقال انا، فدفعه إليه فدعاهم فقطعوا يده اليمنى فاخذه بيده اليسرى فدعاهم فقطعوا يده اليسرى فاخذه بصدره وفي رواية بأسنانه والدماء تسيل على قبائه فقتل، فكان أول قتيل بين يدي أمير المؤمنين وعائشة، فقال علي، الآن حل قتالهم فقالت أم الفتى ترثيه:
- لا هم أن مسلما دعاهم * يتلو كتاب الله لا يخشاهم - - فرملوه رملت لحاهم - وفي رواية أخرى للطبري:
- لا هم أن مسلما اتاهم * مستسلما للموت إذ دعاهم - - إلى كتاب الله لا يخشاهم * فرملوه من دم إذ جاءهم - - وأمهم قائمة تراهم * يأتمرون العي لا تنهاهم - واقتتل الناس وركبت عائشة الجمل المسمى عسكرا الذي كان اشتراه لها يعلى بن منية في مكة بمائتي دينار والبسوا هودجها الرفرف وهو البسط ثم البس جلود النمر ثم البس فوق ذلك دروع الحديد وكان الجمل لواء أهل البصرة لم يكن لهم لواء غيره وخطبت عائشة والناس قد أخذوا مصافهم للحرب فقالت: اما بعد فانا كنا نقمنا على عثمان ضرب السوط وامرة الفتيان وموقع السحابة المحمية الا وانكم استعتبتموه فأعتبكم فلما مصتموه كما يماص الثوب الرحيض عدوتم عليه فارتكبتم منه دما حراما وأيم الله إن كان لأحصنكم فرجا وأتقاكم لله واخذ كعب بن سور وهو قاضي البصرة بخطام الجمل وجعل يرتجز ويقول:
- يا أمنا عائش لا تراعي * كل بنيك بطل المصاع - - ينعي ابن عفان إليك ناعي * كعب بن سور كاشف القناع - - فارضي بنصر السيد المطاع * والأزد فيهم كرم الطباع - وكان اخذ مصحف عائشة فبدر به بين الصفين يناشدهم الله في دمائهم فرشقوه رشقا واحدا فقتلوه وكان في الجاهلية نصرانيا وكان أول قتيل بين يدي عائشة من أهل البصرة والكوفة. واقتتلوا إلى صدر النهار وقيل إلى الزوال ثم انهزم عسكر عائشة. قال الطبري: ضرب محمد بن الحنفية يد رجل من الأزد فقطعها فنادى يا معشر الأزد فروا واستحر القتل في الأزد فنادوا نحن على دين علي بن أبي طالب واقبل المنهزمون يريدون البصرة فلما رأوا الخيل أطافت بالجمل عادوا إلى الحرب وكان القتال في صدر النهار مع طلحة والزبير وفي وسطه مع عائشة أكثرهم ضبة والأزد.
مقتل طلحة اما طلحة فجاءه سهم غرب لا يدري راميه عند هزيمة الناس فشك رجله بصفحة الفرس، وفي رواية فخل ركبته بالسرج وهو ينادي إلي إلي عباد الله، الصبر الصبر، فقال له القعقاع بن عمرو: يا أبا محمد انك لجريح وانك عما تريد لفي شغل، فادخل البيوت فدخل ودمه يسيل وهو يقول اللهم خذ لعثمان مني حتى ترضى، وفي رواية: اعط عثمان مني حتى يرضى فلما امتلأ خفه دما وثقل قال لغلامه اردفني وامسكني وابلغني مكانا انزل فيه لا اعرف فيه فلم أر كاليوم شيخا أضيع دما مني فدخل البصرة فانزله في دار خربة فمات فيها. قال ابن الأثير وكان الذي رمى طلحة مروان بن الحكم وقيل غيره اه وكان ذلك منه اخذا بثار عثمان ولما قضى دفن في بني سعد وقال الطبري أنه لما دخل البصرة تمثل مثله ومثل الزبير:
- فان تكن الحوادث أقصدتني * وأخطأهن سهمي حين ارمي - - فقد ضيعت حين تبعت سهما * سفاهة ما سفهت وضل حلمي - - ندمت ندامة الكسعي لما * شريت رضا بني سهم برغمي - - أطعتهم بفرقة آل لأي * فألقوا للسباع دمي ولحمي - وحرضت عائشة الناس فحملت مضر البصرة حتى ردت مضر الكوفة وكانت راية علي ع يوم الجمل مع ولده محمد بن الحنفية فنخس قفاه وقال له احمل فتقدم حتى لم يجد متقدما الا على سنان رمح فقال تقدم لا أم لك فتلكأ فتناول الراية من يده وقال يا بني بين يدي. وفي رواية ابن أبي الحديد أنه دفع إليه الراية يوم الجمل وقد استوت الصفوف. وقال له احمل فتوقف قليلا فقال له احمل فقال يا أمير المؤمنين أ ما ترى السهام كأنها شآبيب المطر فدفع في صدره وقال أدركك عرق من أمك ثم اخذ الراية فهزها ثم قال:
- اطعن بها طعن أبيك تحمد * لا خير في الحرب إذا لم توقد - - بالمشرفي والقنا المسدد -