يعيشون عالة على أموال الصدقات كما رعم بل هم كسائر الناس منهم من له من يعود عليه من ملك وعقار ومنهم من يستعين بما يبذله أهل الخير لأمثاله لاشتغاله عن الكسب بخدمة العلم والدين. وليفرضهم إن شاء كطلاب الأزهر وعلمائه الذين يعيشون عالة على أموال الأوقاف وتعبيره بالحجاج تعبير سئ كما مر.
قال ص 108 109: إن الشيعة أي في العراق أغلبية وإن كانوا أكثر جهلا أما الحكومة فتعاضد السنيين لأنهم أكثر ثقافة من جهة ولأن الإنجليز أميل إلى معاضدة الأقليات من جهة أخرى لذلك ترى أن أكثر المتصرفين والوزراء من السنيين وقال في الحاشية سكان العراق دون ثلاثة ملايين منهم مليون وربع من الشيعة ومليون من السنيين وربع مليون أكراد والباقي يهود ومسيحيون ويزيديون وصابئة.
وأقول: الحقيقة أن الشيعة في العراق يشكلون سبعين في الماية والباقي من السنيين وبقية الطوائف. والأكراد سنيون فلا وجه لمقابلتهم بهم. وجعله الشيعة أكثر جهلا هو من الجهل.
وقال ص 110: عند التكلم على الشيعة وكان الخوارج هم الذين حرضوا على قتل عثمان وأيدوا عليا لكنهم خرجوا عليه هو أيضا لما رضي بمهادنة خصومه ومن ثم سموا الخوارج ودبروا مؤامرة لقتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص فقتل علي بيد عبد الرحمن بن ملجم وبايع الناس الحسن بن علي وكان معاوية قد بويع في الشام فزحف لقتال الحسن وتأهب الحسن للقتال في العراق لكن ثار عليه جنوده وانفضوا من حوله فهادن معاوية وتنازل له عن الخلافة وفر وقتل ثم بايع الجميع معاوية إلا الخوارج والشيعة شيعة آل البيت وآل علي وقد اجتمعوا حول الحسين بن علي في مكة فقتله جنود معاوية في كربلاء هو وأفراد أسرته وأتباعه جميعا إلا ابن واحد للحسين أمكنه الهرب.
وأقول: في هذا الكلام من الخلط والخبط المخجل في بديهيات التاريخ ما لا يخفي. فهو يقول أن الخوارج هم الذين حرضوا على قتل عثمان وأيدوا عليا. ومعلوم أن مذهب الخوارج إنما حدث بعد حرب صفين والتحكيم، وفي خلافة عثمان وعند قتله لم يكن في الدنيا من اسمهم خوارج حتى يحرضوا على قتل عثمان ويؤيدوا عليا والذين صاروا خوارج بعد ذلك ليس فيهم أحد ممن حرض على قتل عثمان وأيد عليا.
والذين حرضوا على قتل عثمان كان منهم الذين طلبوا بثاره وحاربوا عليا، والحسن بن علي بعد صلح معاوية لم يفر ولم يقتل وإذا صالح معاوية فلماذا يفر ويقتل؟!. ذلك لا يخفى على عجايز العوام فكيف بالمدرس الأول للعلوم الاجتماعية بإحدى مدارس مصر الكبرى. وإنما دس إليه السم بعد ذهابه إلى المدينة فمات منه لأنه كان شرط على معاوية في شروط الصلح إن لا يعهد لأحد بالخلافة من بعده. وأطرف شئ وأعجبه قوله وقد اجتمعوا حول الحسين بن علي في مكة فقتله جنود معاوية في كربلاء إلا ابن واحد له أمكنه الهرب. فالحسين بن علي دعاه أهل الكوفة بعد موت معاوية وخلافة ابنه يزيد والذين قتلوه هم جنود يزيد لا جنود معاوية. والشيعة لم تجتمع حوله في مكة. وابن الحسين الذي بقي بعده هو زين العابدين كان عليلا وحمل أسيرا إلى الكوفة فالشام وسلم من القتل لمرضه لا لهربه.
وتذكرنا هذه المعرفة العجيبة بتاريخ الاسلام ما حكاه بعض القراء قال دخلت مسجد حمص فرأيت رجلا مكشوف الرأس فقلت له سلام عليكم فلم يرد علي. ثم التفت إلي فقال أظنك من هؤلاء الصفاعنة الذين يأتون من أسفل الشام فقلت ما شأنهم قال إنهم يبغضون أبا بكر الصناديقي وعمر القواريري وعثمان بن أبي سفيان ومعاوية بن العاص فقلت ومن معاوية قال رجل أرسله الله إلى قوم ليعلمهم أن عصا موسى كانت من شجر التوت فلقيه محمود النبي فزوجه ابنته عائشة فولدت له الحسن والحسين في أيام الحجاج بن المهدي فقلت له أراك خبيرا بالتواريخ فهل قرأت القرآن قال أقرأ باللغات السبع قلت اقرأ لي شيئا منه قال بسم الله الرحمن الرحيم وكانوا إذا جاءهم بشير أو نذير استغششوا استغشاشا وجاءوا إلى ناقة الله فذبحوها ومكروا مكرا كبارا فبأي آلاء ربكما تكذبان. فقلت له هل دخلت بغداد ليعرفوا قدرك وفضلك قال بغداد دار الجهلة والمجانين ما اصنع بها فتركته وانصرفت. وصاحبنا في هذه المعلومات التاريخية يعيد لنا ذكرى هذا الرجل المكشوف الرأس في مسجد حمص.
قال: وأخذت طوائف الشيعة تتشعب وعاونها الفرس سيرا على ذلك لأن فارس رأت فيهم خير هادم للاسلام وملك بني العباس أولئك الذين قضوا على استقلال فارس وحاولوا القضاء على قوميتها.
وأقول: كون الفرس عاونت الشيعة سرا انتقاما من الاسلام الذي قضى على استقلالها كلمة قالها شخص جهلا عن غير بصيرة أو عن سوء نية عداوة للشيعة فتلقفها من بعده وتلقوها بالقبول تقليدا لأنها وافقت هوى في نفوسهم وما زال يحكيها اللاحق عن السابق حتى وصلت إلى صاحبنا السائح المصري. وإذا تأملنا قليلا لم نجد لها نصيبا من الصحة ولو بمقدار ذرة ومن العجيب وما ذا عسى أن نعجب أن تشتهر هذه الكلمة التي لا أصل لها ولا فصل وتقود إلى قبولها العصبية والجهل فمن هم الفرس الذي عاونوا الشيعة على دعوتهم سرا انتقاما من الاسلام ليبينوهم لنا إن كانوا صادقين. فتحت فارس في خلافة الخليفة الثاني ودخلها الاسلام وانتشر فيها واسلم كثير من أهلها رغبة في الاسلام عن بصيرة لا لقصد الانتقام من الاسلام ولم نسمع أن أحدا منهم عاون الشيعة لا سرا ولا جهرا وكان أهل فارس جلهم ممن تسموا بالسنيين في جميع الأعصار وانتشرت في بلاد فارس العلوم الاسلامية كغيرها من البلدان وجل علمائها ممن تسموا بالسنيين كالبخاري والنسائي وابن ماجة القزويني والسرخسي والنيسابوري والفيروز آبادي والامام الرازي والقفال المرزوي وغيرهم ممن يعسر احصاؤهم وظهرت في دولة بني العباس دول غير عربية بعضها شيعية كدولة آل بويه وبعضها منسوبة إلى السنية كالسلاجقة والسامانية وغيرهما وكل منهما كان طالب ملك وامارة ويعتنق مذهبه عن عقيدة لا لغرض العداء للاسلام ولا الصداقة وظهرت في إيران دولة الصفوية الشيعية في أوائل القرن التاسع وهم سادة أشراف من نسل الإمام موسى بن جعفر وكان في عهدهم دولة العثمانيين على مذهب من تسموا بالسنيين وكلاهما أيضا طالب ملك وإمارة. فهؤلاء الفرس الذين خلقتهم مخيلة القوم وزعمت أنهم عاونوا الشيعة سرا على هدم الاسلام لم يوجدوا إلا في مخيلتهم ولم يخلقهم الله.
وقد قدمنا مثل هذا مفصلا عند الكلام على ما جاء في كتاب حاضر العالم الاسلامي وأعدناه هنا لاقتضاء المقام وإن لزم بعض التكرار. وقوله أن فارس وجدت فيهم خير هادم للاسلام ولملك بني العباس أولئك الذين قضوا على استقلال فارس خطا في خطا، فالشيعة التي اشتهرت بهذا الاسم