قال بل اكفف عنا عشرة آلاف سيف فاعتزل فلما كان القتال فظفر علي دخلوا فيما دخل فيه الناس وافرين. وروى الطبري قال كانت ربيعة مع علي يوم الجمل ثلث أهل الكوفة ونصف الناس يوم الوقعة وكانت تعبيتهم مضر ومضر وربيعة وربيعة واليمن واليمن. وكان عسكر عائشة ثلاثين ألفا وعسكر علي عشرين ألفا وافترق أهل البصرة ثلاث فرق فرقة مع علي وفرقة مع عائشة وفرقة اعتزلوا. قال المفيد في الإرشاد ومن كلامه ع حين دخل البصرة وجمع أصحابه فحرضهم على الجهاد وكان مما قال: عباد الله انهدوا إلى هؤلاء القوم منشرحة صدوركم بقتالهم فإنهم نكثوا بيعتي وأخرجوا ابن حنيف عاملي بعد الضرب المبرح والعقوبة الشديدة وقتلوا السبايجة وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي وقتلوا رجالا صالحين ثم تتبعوا منهم من يحبني يأخذونهم في كل حائط وتحت كل رابية ثم يأتون بهم فيضربون رقابهم صبرا ما لهم قاتلهم الله انى يؤفكون انهدوا إليهم وكونوا أشداء عليهم والقوهم صابرين محتسبين تعلمون إنكم منازلوهم ومقاتلوهم وقد وطنتم أنفسكم على الطعن والضرب ومبارزة الأقرن وأي امرئ منكم أحس من نفسه رباطة جاش عند اللقاء ورأى من أحد من اخوانه فشلا فليذب عن أخيه الذي فضل عليه كما يذب عن نفسه فلو شاء الله لجعله مثله. وخطب ع لما تواقف الجمعان فقال: لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم حجة أخرى وإذا قاتلتموهم فلا تجهزوا على جريح وإذا هزمتموهم فلا تتبعوا مدبرا ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل وإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تدخلوا دارا ولا تأخذوا من أموالهم شيئا ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن اعراضكم وسبين أمراءكم وصلحاءكم فإنهن ضعاف القول والأنفس والعقول لقد كنا نؤمر بالكف عنهن وأنهن لمشركات وإن كان الرجل ليتناول المرأة بالهراوة والجريدة فيعبر بها وعقبه من بعده. وروى الحاكم في المستدرك أيضا ان عائشة كانت خطيبة القوم وهم لها تبع اه.
فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه السلاح فقيل لعلي هذا الزبير فقال اما انه أحرى الرجلين ان ذكر الله ان يذكر وخرج طلحة فخرج إليهما علي فدنا منهما حتى اختلفت أعناق دوابهم فقال علي لعمري لقد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا ان كنتما أعددتما عند الله عذرا فاتقيا الله سبحانه ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا أ لم أكن اخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دماءكما فهل من حدث أحل لكما دمي، قال طلحة ألبت الناس على عثمان، قال علي يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون إن الله هو الحق المبين، يا طلحة تطلب بدم عثمان؟ فلعن الله قتلة عثمان يا طلحة جئت بعرس رسول الله ص تقاتل بها وخبأت عرسك أ ما بايعتني؟ قال بايعتك والسيف على عنقي. قال الطبري وقال علي للزبير أ تطلب منى دم عثمان وأنت قتلته سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره، يا زبير أ تذكر يوم مررت مع رسول الله ص في بني غنم فنظر إلي فضحك وضحكت إليه فقلت لا يدع ابن أبي طالب زهوه فقال لك صه انه ليس به زهو ولتقاتلنه وأنت له ظالم فقال اللهم نعم ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا والله لا أقاتلك ابدا. فانصرف علي إلى أصحابه فقال اما الزبير فقد اعطى الله عهدا ان لا يقاتلكم ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها ما كنت في موطن منذ عقلت الا وانا اعرف فيه امرئ غير موطني هذا، قالت فما تريد ان تصنع؟ قال أريد ان أدعهم واذهب فقال له ابنه عبد الله، جمعت بين هذين العسكرين حتى إذا حدد بعضهم لبعض أردت ان تتركهم وتذهب، لكنك خشيت رايات ابن أبي طالب وعلمت انها تحملها فتية انجاد وان تحتها الموت الأحمر فجبنت، فاحفظه ذلك وقال اني حلفت ان لا أقاتله، قال كفر عن يمينك وقاتله فأعتق غلامه مكحولا فقال عبد الرحمن بن سليمان التميمي:
- لم أر كاليوم أخا اخوان * أعجب من مكفر الايمان - - بالعتق في معصية الرحمن - وقال رجل من شعرائهم:
- يعتق مكحولا لصون دينه * كفارة لله عن يمينه - - والنكث قد لاح على جبينه - وفي رواية: إن الزبير أنصل سنان رمحه وحمل على عسكر علي برمح لا سنان له فقال علي أفرجوا له فإنه محرج ثم عاد إلى أصحابه ثم حمل ثانية ثم ثالثة ثم قال لابنه أ جبنا ويلك ترى؟ فقال لقد أعذرت وقال الزبير:
- نادى علي بأمر لست أنكره * وكان عمر أبيك الخير مذ حين - - فقلت حسبك من عذل أبا حسن * بعض الذي قلت منذ اليوم يكفيني - - ترك الأمور التي تخشى مغبتها * لله أمثل في الدنيا وفي الدين - - فاخترت عارا على نار مؤججة * اني يقوم لها خلق من الطين - مقتل الزبير فترك الزبير الحرب ولم يحارب مع علي وتوجه من فوره إلى وادي السباع قاصدا المدينة ومعه غلام له يدعى عطية، والأحنف بن قيس هناك معتزل في جمع من بني تميم، فقال الأحنف: جمع الزبير بين عسكرين من المسلمين حتى إذا ضرب بعضهم بعضا لحق ببيته وقال من يأتينا بخبره؟
فقال عمرو بن جرموز انا، فاتبعه وكان فاتكا فلما نظر إليه الزبير قال ما وراءك قال انما أريد أن أسألك فقال غلام الزبير أنه معد فقال ما يهولك من رجل، وحضرت الصلاة فقال ابن جرموز الصلاة فقال الزبير الصلاة فنزلا واستدبره ابن جرموز فطعنه من خلفه فقتله واخذ فرسه وخاتمه وسلاحه وخلى عن الغلام فدفنه بوادي السباع ورجع إلى الناس بالخبر.
فاما الأحنف فقال والله ما أدري أحسنت أم أسأت ثم انحدر إلى علي وابن جرموز معه وقيل ذهب ابن جرموز إلى علي وحده فدخل عليه فأخبره فدعا بالسيف فهزه فقال: سيف طالما كشف به الكرب عن وجه رسول الله ص، وفي رواية أنه قال له أنت قتلته؟ قال نعم، قال والله ما كان ابن صفية جبانا ولا لئيما ولكن الحين ومصارع السوء، فقال ابن جرموز الجائزة يا أمير المؤمنين، فقال اما اني سمعت رسول الله ص يقول بشر قاتل ابن صفية بالنار، ثم خرج ابن جرموز على علي ع مع أهل النهر فقتله معهم فيمن قتل ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج.
وروى أبو مخنف أنه لما تزاحف الناس يوم الجمل قال علي ع لأصحابه لا يرمين رجل منكم بسهم ولا يطعنن أحدكم فيهم برمح حتى يبدؤوكم بالقتال وبالقتل فرمى أصحاب الجمل عسكر علي ع بالنبل رميا شديدا متتابعا فضج إليه أصحابه وقالوا عقرتنا سهامهم يا أمير المؤمنين، وجئ إليه برجل فقيل له هذا فلان قد قتل، فقال اللهم اشهد ثم قال: اعذروا إلى القوم فاتي برجل آخر فقيل وهذا قد قتل فقال اللهم اشهد، أعذروا إلى القوم ثم اقبل عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وهو من أصحاب رسول الله ص يحمل أخاه عبد الرحمن قد أصابه سهم فقتله فقال يا أمير المؤمنين هذا أخي قد قتل، فاسترجع علي ع ودعا بدرع