لتكليفه أحدا ممن عداه وهذه منقبة يزيد شرفها على كل فضل يدعى لغيره حقا كان أو باطلا وهي خاصة له لم يشركه فيها أحد منهم ولا حصل لغيره عدل لها من الأعمال اه.
بعث علي ع إلى اليمن سنة ثمان من الهجرة. اعلم أن أكثر المؤرخين وأهل السير ذكروا أن بعث علي ع إلى اليمن كان مرتين سنة ثمان وسنة عشر وممن صرح به ابن هشام في سيرته فقال: وغزوة علي بن أبي طالب إلى اليمن غزاها مرتين. وقال ابن سعد في الطبقات الكبير: ثم سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن يقال مرتين إحداهما سنة عشر فذكرها وحدها ولم يذكر غزوة سنة ثمان وصرح به دحلان في سيرته والذي يلوح لي أن ذلك كان ثلاث مرات سنة ثمان وما بينها وبين سنة تسع وسنة عشر.
بعثه إلى اليمن في آخر سنة ثمان من الهجرة وذلك بعد فتح مكة بعثه إلى همدان ليدعوهم إلى الاسلام فأسلمت همدان كلها في يوم واحد قال المفيد في الارشاد: ومن ذلك ما أجمع عليه أهل السيرة أن النبي ص بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الاسلام وانفذ معه جماعة من المسلمين فيهم البراء بن عازب رحمه الله وأقام خالد على القوم ستة أشهر يدعوهم فلم يجبه أحد منهم فساء ذلك رسول الله ص فدعا أمير المؤمنين وأمره أن يقفل خالدا ومن معه وقال له إن أراد أحد ممن مع خالد أن يعقب معك فاتركه قال البراء فكنت ممن عقب معه فلما انتهينا إلى أوائل أهل اليمن وبلغ القوم الخبر تجمعوا له فصلى بنا علي الفجر ثم تقدم بين أيدينا فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ على القوم كتاب رسول الله ص فأسلمت همذان كلها في يوم واحد وكتب بذلك أمير المؤمنين إلى رسول الله ص فلما قرأ كتابه استبشر وابتهج وخر ساجدا شكرا لله تعالى ثم رفع رأسه وجلس وقال السلام على همدان ثم تتابع بعد اسلام همدان أهل اليمن على الاسلام اه وقال ابن الأثير أنه قال السلام على همدان ثلاثا وفي السيرة الحلبية كان رسول الله ص ارسل خالد بن الوليد إلى اليمن لهمدان يدعوهم إلى الاسلام قال البراء فكنت ممن خرج مع خالد فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الاسلام فلم يجيبوا ثم أن رسول الله ص بعث علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالدا ويكون مكانه فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا وصلى بنا علي ثم صفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله ص باسلامهم فأسلمت همدان جميعا الحديث. وفي سيرة دحلان عن البخاري عن البراء: بعثنا رسول الله ص مع خالد إلى اليمن ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه فقال مر أصحاب خالد من شاء أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل فكنت فيمن عقب معه فغنمت أواقي ذات عدد زاد الإسماعيلي فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلى بنا علي وصفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا فقرأ عليهم كتاب رسول الله ص فأسلمت همدان جميعا فكتب علي إلى رسول الله ص باسلامهم فلما قرأ الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه وقال السلام على همدان. وكان البعث بعد رجوعهم من الطائف وقسمة الغنائم بالجعرانة ومن ذلك اليوم صارت همدان من أنصار علي ع وشيعته وأخلصت في ذلك. ولما رد أربد الفزاري على علي قبل حرب صفين وهرب لحقته همدان إلى السوق البراذين فقتلوه وطئا بأرجلهم وضربا بأيديهم ونعال سيوفهم فقال فيه الشاعر:
- أعوذ بربي أن تكون منيتي * كما مات في سوق البراذين أربد - - تعاوره همدان خفق نعالهم * إذا رفعت عند يد وضعت يد - وقال لهم أمير المؤمنين ع يوم صفين يا معشر همدان أنتم درعي ورمحي وقال فيهم أيضا:
- ولو كنت بوابا على باب جنة * لقلت لهمدان ادخلوا بسلام - قال المفيد: وهذه منقبة لأمير المؤمنين ع ليس لأحد من الصحابة مثلها ولا مقاربها وذلك أنه لما وقف الأمر فيما بعث له خالد وخيف الفساد به لم يوجد من يتلافى ذلك سوى أمير المؤمنين ع فندب له فقام به أحسن قيام وجرى على عادة الله عنده في التوفيق لما يلائم ايثار النبي ص وكان يمنه ورفقه وحسن تدبيره وخلوص نيته في طاعة الله عز وجل هداية من اهتدى به دية من الناس وإجابة من أجاب إلى الاسلام وعمارة الدين وقوة الايمان وبلوغ النبي ص ما آثره من المراد وانتظام الأمر فيه على ما قرت به عينه وظهر استبشاره به وسروره بتمامه لكافة أهل الاسلام وقد ثبت أن الطاعة تتعاظم تعاظم النفع بها كما تعظم المعصية بتعاظم الضرر بها ولذلك صارت الأنبياء ع أعظم الخلق ثوابا لتعاظم النفع بدعوتهم على سائر المنافع باعمال من سواهم من الناس اه وقد وقع هنا اشتباه من بعض الرواة والمؤرخين فنسبوا ما وقع في سنة عشر إلى هذه السنة وبالعكس قال دحلان في سيرته: جاء في بعض الروايات أن النبي ص بعث عليا في رمضان سنة عشر فأسلمت همدان كلها في يوم واحد فكتب بذلك إلى النبي ص فخر ساجدا ثم جلس فقال السلام على همدان. قال دحلان قوله في التاريخ سنة عشر وهم لأن بعث علي إلى همدان لم يكن سنة عشر انما كان سنة عشر بعثه إلى بني مذحج واما بعثه إلى همدان فكان سنة ثمان بعد فتح مكة فيكون بعث علي إلى اليمن حصل مرتين وقال بعد ايراد حديث البخاري المتقدم فهذا صريح في أن البعث الأول كان في أواخر سنة ثمان وأنه إلى همدان واما الثاني فكان في رمضان سنة عشر إلى مذحج اه وممن ذكر أن بعث علي إلى اليمن واسلام همدان كان سنة عشر ابن الأثير في تاريخه.
بعثه قاضيا إلى اليمن بين سنة ثمان وتسع في سيرة دحلان روى أبو داود وغيره من حديث علي قال بعثني النبي ص إلى اليمن فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسن مني وانا حديث السن لا أبصر القضاء فوضع يده على صدري فقال اللهم ثبت لسانه واهد قلبه وقال يا علي إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء قال علي والله ما شككت في قضاء بين اثنين وهذا يدل على أن بعثه كان للقضاء لا للغزو والحرب والفتح لقوله تبعثني إلى قوم وانا حديث السن لا أبصر القضاء فان هذا صريح في أنه بعثه للقضاء والا فلا معنى لهذا القول وأصرح من ذلك ما ذكره المفيد في الارشاد حيث قال: لما أراد رسول الله ص تقليده قضاء اليمن وانفاذه إليهم ليعلمهم الأحكام ويبين لهم الحلال والحكام ويحكم فيهم باحكام القرآن قال له أمير المؤمنين تندبني يا رسول الله للقضاء وانا شاب لا علم لي بكل القضاء فقال له ادن مني فدنا منه فضرب على صدره بيده وقال اللهم اهد قلبه وثبت لسانه قال أمير المؤمنين ع فما شككت في قضاء بين اثنين بعد ذلك المقام ولما استقرت به الدار باليمن ونظر فيما ندبه إليه رسول