بدر إلى علي وهو ابن عشرين سنة، وتدل خطبته حين بلغه غارة الغامدي على الأنبار أنه باشر الحرب وهو ابن عشرين سنة. وقال في خطبة له يحث فيها على الجهاد: لقد نهضت فيها أي الحرب وما بلغت العشرين اه ولا يبعد أن يريد بمباشرته الحرب ما كان منه يوم هجرته ولحوق الفوارس الثمانية به وقتله مقدمهم جناحا فان ذلك أول مباشرته الحرب وأول ظهور شجاعته العظيمة لا حرب بدر المتأخرة عن ذلك تسعة عشر شهرا وإن كانت هي أول وقائعه العظمى فيكون عمره على هذا يوم أسلم سبع سنين فإذا أضيف إليها ثلاث عشرة سنة أقامها بمكة إلى حين هجرته كانت عشرين. وفي بعض الروايات أنه كان عمره يوم بدر ثلاثا وعشرين سنة وفي بعضها أربعا وعشرين وفي بعضها خمسا وعشرين، ولعل القول بان عمره يوم أسلم إحدى عشرة سنة مبني على أنه كان يوم بدر ابن خمس وعشرين أو ست وعشرين بان تكون التسعة عشر شهرا حسبت سنة وترك الزائد أو حسبت سنتين وألغي الناقص، وكذلك القول بان عمره يوم أسلم اثنتي عشرة سنة يمكن تطبيقه على أنه كان يوم بدر ابن ست عشرة بحساب التسعة عشر شهرا سنة واحدة، أما القول بأنه أسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة أو خمس عشرة أو ست عشرة فهو يقتضي أن يكون عمره يوم بدر فوق سبع وعشرين أو تسع وعشرين أو ثلاثين والله أعلم.
ملازمته النبي صلى الله عليه وآله ولم يزل علي في صحبة النبي ص ملازما له فأقام مع النبي ص بعد البعثة ثلاثا وعشرين سنة منها ثلاث عشرة سنة بمكة قبل الهجرة مشاركا له في محنة كلها متحملا عنه أكثر أثقاله وعشر سنين بالمدينة بعد الهجرة يكافح عنه المشركين ويجاهد دونه الكافرين ويقيه بنفسه من أعدائه في الدين وقتل الأبطال وضرب بالسيف بين يدي رسول الله ص وعمره بين العشرين والثلاث والعشرين سنة إلى الخمس والعشرين.
في حصار الشعب ويوم حصار الشعب الذي دخل فيه بنو هاشم خوفا من قريش وحصروهم فيه كان علي معهم ولا شك أن أباه كان ينيمه أيضا في مرقد النبي ص لأن ذلك من أشد أيام الخوف عليه من البيات وقد يسال سائل لما ذا اختص أبو طالب ابنه عليا بان يبيته في مضجع النبي ص حين يقيمه منه مع أنه أصغر أولاده وطالب وعقيل وجعفر أكبر منه فهم أولى بان ينيم واحدا منهم في مضجع النبي ص والجواب على هذا السؤال لا يحتاج إلى كثير تفكير فهو على صغر سنه أثبتهم جنانا وأشجعهم قلبا وأشدهم تهالكا في حب ابن عمه وإن كان لجعفر المقام السامي في ذلك لكنه لا يصل إلى رتبة أخيه علي.
خبره مع أبي ذر عند إسلامه رواه صاحب الاستيعاب بسنده عن ابن عباس في حديث طويل سيأتي في ترجمة أبي ذر في الجزء السادس عشر، وفيه ان أبا ذر لما بلغه مبعث النبي ص قدم مكة فاتى المسجد فالتمس النبي ص ولا يعرفه وكره أن يسال عنه حتى أدركه الليل فاضطجع فرآه علي بن أبي طالب فقال كان الرجل غريب قال نعم قال انطلق إلى المنزل قال فانطلقت معه لا يسألني عن شئ ولا أساله، فلما أصبحت رجعت إلى المسجد فبقيت يومي حتى أمسيت وسرت إلى مضجعي فمر بي علي فقال أ ما آن للرجل أن يعرف منزله فاقامه وذهب به معه وما يسال واحد منهما صاحبه عن شئ حتى إذا كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك فاقامه علي معه ثم قال له ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت، ففعل فأخبره علي أنه نبي وإن ما جاء به حق وأنه رسول الله وقال فإذا أصبحت فاتبعني فاني إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء فان مضيت فاتبعني حتى تدخل معي مدخلي فانطلقت أقفوه حتى دخل على رسول الله ص الحديث ويدلنا هذا الحديث على وجود علي ع وكرم أخلاقه وحسن أدبه و شدة حنوه على الغريب والضعيف ومسارعته إلى إقراء الضيف فإنه لما رآه وعلم أنه غريب دعاه إلى منزله وأضافه وقراه ولم يسأله عن شئ وذلك من حسن الأدب مع الضيف ولما رآه في الليلة الثانية عاتبه على عدم رجوعه إلى منزل ضيافته وبقائه في المسجد وأقامه معه ولم يسأله عن شئ إلا في الليلة الثالثة بعد ما أنس أبو ذر به وارتفعت عنه وحشة الغربة وقضى أيام الضيافة التي هي ثلاثة وربما يكون قد توسم فيه أنه جاء لينظر في الاسلام وقد يكون مانعهما عن السؤال شدة الخوف. وسوق الحديث يدل على أن الخوف من قريش كان شديدا فهو حين أراد أن يذهب به إلى رسول الله ص خاف عليه أن يراه أحد معه فيظن أنه ذهب ليسلم فينال أبا ذر من ذلك أذى شديد فقال له أنه إذا رأى أحدا يخافه عليه جلس وتعلل بأنه يريد أن يبول ولا يعرف من يراه أن أبا ذر معه وأوصاه أنه إذا رآه قد مضى أتبعه بدون أن يلتفت إليه ولا يشير إليه لئلا يراه أحد فيعرف أنه سائر معه. وكان أبا ذر وقع في قلبه من ذلك اليوم حب علي فساعده التوفيق على أن تولاه وشايعه طول حياته.
صعوده على منكب النبي ص والقاؤه الصنم عن الكعبة روى الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن أبي طالب قال: انطلق بي رسول الله ص حتى أتى بي الكعبة فقال لي اجلس فجلست إلى جنب الكعبة فصعد رسول الله ص بمنكبي ثم قال لي انهض فنهضت فلما رأى ضعفي تحته قال لي اجلس فنزلت وجلست ثم قال لي يا علي اصعد على منكبي فصعدت على منكبيه ثم نهض بي فلما نهض بي خيل لي لو شئت نلت أفق السماء، فصعدت فوق الكعبة وتنحى رسول الله ص فقال لي الق صنمهم الأكبر صنم قريش وكان من نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى الأرض فقال لي عالجه وهو يقول لي ايه ايه جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا، فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه فقال اقذفه فقذفته فتكسر وترديت من فوق الكعبة فانطلقت أنا والنبي ص نسعى وخشينا أن يرانا أحد من قريش وغيرهم قال علي فما صعد به حتى الساعة. قال الحاكم هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه البخاري ومسلم.
وصية أبيه له عند وفاته ولما حضرت أبا طالب الوفاة أوصى ابنيه عليا وجعفرا وأخويه حمزة وعباسا بنصره فقاموا به أحسن قيام لا سيما علي وحمزة وجعفر، وفي ذلك يقول أبو طالب من أبيات مرت في الجزء الثاني:
- أوصي بنصر النبي الخير مشهده * عليا ابني وعم الخير عباسا - - وحمزة الأسد المخشي جانبه * وجعفرا أن تذودوا دونه الناسا - وفي جمع علي معهم بل تقديمه عليهم وهو غلام صغير وأخوه جعفر أكبر منه والآخران عماه وهما أسن منه دليل كاف على ما كان يتوسمه أبو