أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا فأجاب الله تعالى مسألته وأعطاه سؤله في ذلك وأمنيته حيث يقول قد أوتيت سؤلك يا موسى وقال تعالى حاكيا عن موسى ع وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين فلما جعل رسول الله ص عليا منه بمنزلة هارون من موسى أوجب له بذلك جميع ما عددناه الا ما خصه العرف من الأخوة واستثناه من النبوة لفظا وهذه فضيلة لم يشرك فيها أحد أمير المؤمنين ولا ساواه في معناها ولا قاربه فيها على حال.
سيرته متتالية متتابعة من ولادته إلى شهادته نشأته وتربيته نشا علي ع في حجر رسول الله ص وتأدب بآدابه وربي بتربيته وذلك أنه لما ولد أحبه رسول الله ص حبا شديدا وقال لأمه اجعلي مهده بقرب فراشي وكان يلي أكثر تربيته ويطهره في وقت غسله ويوجره اللبن عند شربه ويحرك مهده عند نومه ويناغيه في يقظته ويحمله على صدره، وكان يحمله دائما ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها كأنه يفعل ذلك ترويحا له وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:
- وربيت في حجر النبي محمد * فطوبى لمن من احمد ضمه حجر - - وغذاك بالعلم الإلهي ناشئا * فلا علم الا منك قد حاطه خبر - - بآدابه أدبت طفلا ويافعا * وأكسبنك الأخلاق أخلاقه الغر - وفي بعض السنين أصاب أهل مكة جدب شديد وكان أبو طالب كثير العيال قليل المال فاجتمع النبي ص وحمزة والعباس فقالوا ان أبا طالب كثير العيال فهلموا نخفف عنه فقال لهم أبو طالب ما أبقيتم لي عقيلا فخذوا من شئتم فاخذ النبي ص عليا واخذ حمزة جعفرا واخذ العباس طالبا وابقى أبو طالب عنده عقيلا لميله إليه ولعل ذلك كان لضعف عقيل وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:
- أتت سنة شهباء أصبح عندها * أبو طالب قد حل ساحته الفقر - - فقالوا دعونا نكفه بعض ولده * مساعدة فالحر يسعده الحر - - خذوا من أردتم ان تركتم بجانبي * عقيلا فلي في حبه منكم عذر - - لأحمد أعطينا عليا وجعفرا * لحمزة والعباس طالب فليدروا - وقد كان علي ع يلازم رسول الله ص وهو يتحنث في غار حراء كل سنة قبل النبوة. قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: قد ورد في الكتب الصحاح ان النبي ص كان يجاور في حراء من كل سنة شهرا حتى جاءت السنة التي أكرمه الله فيها بالرسالة فجاور في حراء شهر رمضان ومعه أهله خديجة وعلي بن أبي طالب وخادم لهم الحديث.
فلم يزل علي مع رسول الله ص حتى بعثه الله بالنبوة فكان أول من آمن به واتبعه وصدقه، وقال ابن حجر في الإصابة: ربي في حجر النبي ص ولم يفارقه وشهد معه المشاهد الا غزوة تبوك. وفي أسد الغابة: كان مما أنعم الله به على علي انه ربي في حجر رسول الله ص قبل الاسلام وقال هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان وجميع المشاهد مع رسول الله ص الا تبوك وله في الجميع بلاء عظيم وأثر حسن اه ولم يكن لاحد غيره في تلك المشاهد مثل أثره. ومر عند ذكر فضائله ما ينبغي ان يراجع.
ما جرى عند نزول وانذر عشيرتك الأقربين قد مر ذلك مفصلا في الجزء الثاني في السيرة النبوية وفي هذا الجزء عند ذكر مناقبه وفضائله وذكرنا الأحاديث الواردة في ذلك بأسانيدها ونعيد ذكره هنا ببعض الروايات وان لزم بعض التكرار لتكون اخباره ع متتابعة متتالية بحسب السنين ونقتصر من ذلك على ما ذكره المفيد في الارشاد في جملة كلام له في ذلك مر عند ذكر مناقبه وفضائله قال: وذلك في حديث الدار الذي أجمع على صحته نقلة الآثار حين جمع رسول الله ص بني عبد المطلب في دار أبي طالب وهم أربعون رجلا يومئذ يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا فيما ذكره الرواة وأمره ان يصنع لهم طعاما فخذ شاة مع مد من البر ويعد لهم صاعا من اللبن وقد كان الرجل منهم معروفا يأكل الجذعة (1) في مقام واحد ويشرب الفرق (2) من الشراب. في ذلك المقعد فأراد ع باعداد قليل الطعام والشراب لجماعتهم اظهار الآية في شبعهم وريهم مما كان لا يشبع واحدا منهم ولا يرويه ثم أمر بتقديمه لهم فأكلت الجماعة كلها من ذلك اليسير حتى تملوا منه ولم يبن ما أكلوه منه وشربوه فيه، فبهرهم بذلك وبين لهم آية نبوته وعلامة صدقه ببرهان الله تعالى فيه، ثم قال لهم بعد أن شبعوا من الطعام ورووا من الشراب يا بني عبد المطلب ان الله بعثني إلى الخلق كافة وبعثني إليكم خاصة فقال وانذر عشيرتك الأقربين وانا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان تملكون بهما العرب والعجم وتنقاد لكم بهما الأمم وتدخلون بهما الجنة وتنجون بهما من النار شهادة ان لا إله إلا الله واني رسول الله فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويوازرني عليه يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي فلم يجبه أحد منهم، فقال أمير المؤمنين: فقمت بين يديه من بينهم وانا إذ ذاك أصغرهم سنا وأحمشهم ساقا وأرمصهم عينا فقلت انا يا رسول الله أوازرك على هذا الأمر فقال اجلس ثم أعاد القول على القوم ثانية فاصمتوا فقمت وقلت مثل مقالتي الأولى فقال اجلس ثم أعاد القول على القوم ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف فقمت وقلت انا أوازرك يا رسول الله على هذا الأمر فقال اجلس فأنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب يا أبا طالب ليهنئك اليوم ان دخلت في دين ابن أخيك فقد جعل ابنك أميرا عليك اه.
نصره النبي ص في صغره كان علي ع في صغره يدافع عن النبي ص فقد كانت قريش لا تستطيع أذاه لمكان عمه أبي طالب فكانوا يغرون به صبيانهم فيرمونه بالحجارة والتراب إذا خرج وليس من شأن أبي طالب ان يتبع الصبيان يذودهم عنه، ولكن النبي ص أخبر بذلك صبيا مثلهم هو من أبطال الصبيان يستطيع ان يتبعهم ويذودهم وهو ابن عمه علي بن أبي طالب فذودهم ان لم يكن من شأن أبيه فهو من شأن صبي مثلهم هو بطل في صباه كما هو بطل في شبابه وفي كهولته وفي شيخوخته. روى علي بن إبراهيم بن هاشم القمي بسنده عن الصادق ع انه سئل عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة العبدري لما برز إليه علي ع يوم أحد فسأله طلحة من أنت يا غلام قال انا علي بن أبي طالب فقال قد علمت يا قضيم انه لا يجسر علي أحد غيرك، ما معنى قوله يا قضيم فقال إن رسول الله ص كان بمكة لم يجسر عليه أحد لمكان أبي طالب وأغروا به الصبيان فكان إذا خرج يرمونه بالحجارة والتراب فشكا ذلك إلى علي ع