- وقال ابن هند في علي عضيهة (2) * ولله في صدر ابن أبي طالب أجل - - وما لعلي في ابن عفان سقطة * بأمر ولا جلب عليه ولا قتل - - وما كان الا لازما قعر بيته * إلى أن أتى عثمان في بيته الأجل - - فمن قال قولا غير هذا فحسبه * من الزور والبهتان بعض الذي احتمل - - وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه الأولى به يضرب المثل - فلما قرأ شرحبيل الكتاب ذعر وفكر وقال هذه نصيحة لي في ديني ودنياي لا والله لا أعجل في هذا الأمر بشئ فلفلف له معاوية الرجال يدخلون إليه ويخرجون ويعظمون عنده قتل عثمان ويرمون به عليا ويقيمون الشهادة الباطلة والكتب المختلفة حتى أعادوا رأيه وشحذوا عزمه وبلغ ذلك قومه فبعث إليه ابن أخت له من بارق كان يرى رأي علي بن أبي طالب فبايعه وكان ممن لحق به من أهل الشام وكان ناسكا فقال:
- لعمر أبي الأشقى ابن هند لقد رمى * شرحبيل بالسهم الذي هو قاتله - - ولفف قوما يسحبون ذيولهم * جميعا وأولى الناس بالذنب فاعله - - فالقى يمانيا ضعيفا نخاعه * إلى كل ما يهوون تحدى رواحله - - وقالوا علي في ابن عفان خدعة * ودبت إلين بالشنان غوائله - - ولا والذي أرسى ثبيرا مكانه * لقد كف عنه كفه ووسائله - - وما كان إلا من صحاب محمد * وكلهم تغلي عليه مراجله - فقال شرحبيل هذا بعيث الشيطان الآن امتحن الله قلبي والله لأسيرن إلى صاحب هذا الشعر أو ليفوتني فهرب الفتى إلى الكوفة وكان أصله منها وكاد أهل الشام أن يرتابوا وبعث معاوية إلى شرحبيل أنه قد كان من اجابتك الحق وما وقع فيه اجرك على الله وقبله عنك صلحاء الناس ما علمت وإن هذا الأمر الذي عرفته لا يتم إلا برضا العامة فسر في مدائن الشام وناد فيهم بان عليا قتل عثمان وأنه يجب على المسلمين أن يطلبوا بدمه فسار فبدأ باهل حمص فقام فيهم خطيبا وكان مأمونا في أهل الشام ناسكا متألها فقال يا أيها الناس إن عليا قتل عثمان وقد غضب له قوم فقتلهم وغلب على الأرض فلم يبق إلا الشام وهو واضع سيفه على عاتقه ثم خائض به غمار الموت حتى يأتيكم أو يحدث الله أمرا ولا نجد أحدا أقوى على قتاله من معاوية فجدوا فاجابه الناس الا نساك من أهل حمص فإنهم قالوا بيوتنا قبورنا ومساجدنا وأنت أعلم بما ترى وجعل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها لا يأتي على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به فبعث إليه الناشي بن الحارث وكان صديقا له:
- شرحبيل ما للدين فرقت امرنا * ولكن لبغض المالكي جرير - - وشحناء دبت بين سعد وبينه * فأصبحت كالحادي بغير بعير - - أ تنصل أمرا غبت عنه بشبهة * وقد حار فيها عقل كل بصير - - بقول رجال لم يكونوا أئمة * ولا للتي لقوكها بحضور - - وما قول قوم غائبين تقاذفوا * من الغيب ما دلاهم بغرور - - وتترك أن الناس أعطوا عهودهم * عليا على أنس به وسرور - - إذا قيل هاتوا واحدا تقتدونه * نظيرا له لم يفحصوا بنظير - - لعلك أن تشقى الغداة بحربه * شرحبيل ما ما جئته بصغير - وروى نصر بن مزاحم بسنده عن الشعبي أن شرحبيل دخل على معاوية فقال أنت عامل أمير المؤمنين وابن عمه ونحن المؤمنون فان كنت رجلا تجاهد عليا وقتلة عثمان حتى ندرك ثارنا أو تفنى أرواحنا استعملناك علينا وإلا عزلناك واستعملنا غيرك ممن نريد ثم جاهدنا معه حتى ندرك بدم عثمان أو نهلك فقال جرير يا شرحبيل مهلا فان الله قد حقن الدماء ولم الشعث وجمع أمر الأمة ودنا من هذه الأمة سكون فإياك أن تفسد بين الناس وامسك عن هذا القول قبل أن يظهر منك قول لا تستطيع رده، قال لا والله لا أسره أبدا ثم قال فتكلم فقال الناس صدق صدق، القول ما قال والرأي ما رأى فايس جرير عند ذلك من معاوية ومن عوام أهل الشام.
وكان معاوية أتى جريرا في منزله فقال إني رأيت رأيا قال هاته قال اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي واسلم له هذا الأمر وأكتب إليه بالخلافة فقال جرير أكتب بما أردت وأكتب معك فكتب معاوية بذلك إلى علي فكتب علي إلى جرير أما بعد فإنما أراد معاوية أن لا يكون لي في عنقه بيعة وأن يختار من أمره ما أحب وأراد أن يريثك حتى يذوق أهل الشام وأن المغيرة بن شعبة قد كان أشار على أن استعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة فأبيت ذلك عليه ولم يكن الله ليراني اتخذ المضلين عضدا. فان بايعك الرجل وإلا فاقبل. وفشا كتاب معاوية في العرب فبعث إليه الوليد بن عقبة:
- معاوي أن الشام شامك فاعتصم * بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا - - وحام عليها بالقنابل والقنا * ولا تك محشوش الذراعين وانيا - - وإن عليا ناظر ما تجيبه * فاهد له حربا يشيب النواصيا - - والا فسلم أن في السلم راحة * لمن لا يريد الحرب فاختر معاويا - - وإن كتابا يا ابن حرب كتبته * على طمع يزجي إليك الدواهيا - - سالت عليا فيه ما لن تناله * ولو نلته لم يبق الا لياليا - - وسوف ترى منه الذي ليس بعده * بقاء فلا تكثر عليك الأمانيا - - أ مثل علي تعتريه بخدعة * وقد كان ما جربت من قبل كافيا - - ولو نشبت أظفاره فيك مرة * حداك ابن هند منه ما كنت حاديا - وأبطأ جرير عند معاوية حتى اتهمه الناس وقال علي وقت لرسولي وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا وأبطأ على علي حتى ايس منه فكتب إليه اما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل وخذه بالأمر الجزم ثم خيره بين حرب مجلية أو سلم محظية فان اختار الحرب فانبذ له وإن اختار السلم فخذ بيعته. فاقرأ معاوية الكتاب وقال يا معاوية لا أظن أن قلبك إلا مطبوعا أراك قد وقفت بك الحق والباطل فقال معاوية ألقاك بالفيصل أول مجلس إن شاء الله فلما بايع معاوية أهل الشام وذاقهم قال يا جرير ألحق بصاحبك، وكتب إليه بالحرب، قال المبرد الكامل وكتب إليه مع جرير جواب كتابه المتقدم: من معاوية بن صخر إلى علي بن أبي طالب أما بعد فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك وأنت برئ من دم عثمان كنت كابي بكر وعمر وعثمان ولكنك أغريت بعثمان المهاجرين وخذلت عنه الأنصار فأطاعك الجاهل وقوي بك الضعيف وقد أبى أهل الشام إلا قتالك حتى تدفع إليهم قتلة عثمان فان فعلت كانت شورى بين المسلمين ولعمري ليس حججك علي كحججك على طلحة والزبير لأنهما بايعاك ولم أبايعك وما حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة لأن أهل البصرة أطاعوك ولم يطعك أهل الشام فاما شرفك في الاسلام وقرابتك من النبي ص وموضعك من قريش فلست أدفعه، وكتب في أسفل الكتاب أبيات كعب بن جعيل: