تشطرا ضرعيها فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم اني أحدهم فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر فصغى رجل منهم لضغينه ومال الآخر لصهره (1) إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع إلى أن انتكث فتله واجهز عليه عمله وكبت به بطنته فلما نهضت بالامر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون (2) كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها.
والمتأمل في هذه الخطبة يعلم أنها من كلام علي ع وانه لا فرق بينها وبين سائر كلامه وخطبه في أسلوبها وبلاغتها وانها لا تفترق عن سائر كلامه بشئ وان الذي دعاهم إلى أن يقولوا انها منحولة انها لا تتوافق مع بعض ميولهم المذهبية ولكن هذا لا يوجب الشك فيها بعد ان رواها الثقات عن علي ع وكانت في بلاغتها وفصاحتها لا تفترق عن شئ من كلامه والميول المذهبية لا تصلح سندا لانكار شئ علم ثبوته فما فيها ذكر الجاحظ نظيره في البيان والتبيين ج 2 ص 38 من ضمن خطبة لعلي يقول فيها:
سبق الرجلان وقام الثالث كالغراب همته بطنه ويحه لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيرا له. قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: حدثني شيخي أبو الخير مصدق بن شبيب الواسطي سنة 603 قال قرأت على الشيخ أبي محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشاب هذه الخطبة وقلت له أ تقول انها منحولة فقال لا والله واني لأعلم انها كلامه كما اعلم انك مصدق، فقلت له ان كثيرا من الناس يقولون انها من كلام الرضي فقال ما للرضي ولغير الرضي هذا النفس وهذا الأسلوب قد وقفنا على رسائل الرضي وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور وما يقع مع هذا الكلام في خل ولا خمر، ثم قال والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنفت قبل ان يخلق الرضي بمائتي سنة ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل ان يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي. قال ابن أبي الحديد: وقد وجدت انا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي امام البغداديين من المعتزلة وكان في دولة المقتدر قبل ان يخلق الرضي بمدة طويلة، ووجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر بن قبه أحد متكلمي الإمامية وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب الإنصاف وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي ومات في ذلك العصر قبل ان يكون الرضي موجودا اه.
والخلاصة ان اشتمال هذه الخطبة على ما لا يتلاءم مع بعض الميول المذهبية هو الذي دعا إلى انكارها بل إلى انكار نهج البلاغة كله من اجلها، وقد ظهر مما ذكرنا أن هذا الإنكار بغير محله وان نهج البلاغة له منه عليه شواهد، وان الشريف الرضي مهما بلغت بلاغته وفصاحته ليس له قدرة على أن يأتي بخطبة واحدة من خطب نهج البلاغة وكتاب رسائله موجود وجملة منه منقولة في كتب الأدب وهي كما قال ابن الخشاب ليست من كلام نهج البلاغة في خل ولا خمر وهي لا تتناسب معه في شئ. يعرف يعرف ذلك كل ناظر فيه وفيها.
شروح نهج البلاغة شرحه أعاظم العلماء والأدباء من عصر جامعه إلى اليوم شروحا كثيرة، قال العالم الكبير الشهير الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية في مقدمة شرحه على النهج وقد عني جماعة من أجلة العلماء بشرحه وأطال كل منهم في بيان ما انطوى عليه من الاسرار اه. وذكر الفاضل المتتبع المعاصر الميرزا حسين بن محمد تقي النوري في خاتمة مستدركات الوسائل منها 31 شرحا ونحن قد وقفنا من أسماء شروحه على 37 شرحا فنذكر أولا ما ذكره هو ثم ما عثرنا عليه زيادة على ما ذكره.
1 شرح أبي الحسن البيهقي علي بن زيد الشهير بفريد خراسان وهو أول من شرحه بعد علي بن الناصر الآتي 2 شرح الامام فخر الدين الزاري صاحب التفسير الا انه لم يتم صرح بذلك الوزير جمال الدين القفطي في تاريخ الحكماء 3 منهاج البراعة للقطب الراوندي سعيد بن هبة الله بن الحسن الفقيه في مجلدين 4 شرح القاضي عبد الجبار المردد بين ثلاثة لا يعلم أيهم هو الا انه قريب العصر من الشيخ الطوسي 5 شرح الامام أفضل الدين الحسن بن علي بن أحمد المهابادي شيخ منتجب الدين صاحب الفهرست 6 المعراج لرجل مجهول أشار إليه الكيدري في كلامه الآتي 7 شرح لأبي الحسين محمد بن الحسين بن الحسن البيهقي الكندري أو الكيذري (3) فرع منه سنة 576 وقال في أوله انه استمد من كتابي المنهاج والمعراج المقدم ذكرهما فالمنهاج للراوندي والمعراج لا يعرف مؤلفه. قال الفاضل النوري المقدم ذكره وصاحب كشف الحجب فيما حكي عنه ان اسم هذا الشرح الاصباح ولكن الموجود في رجال بحر العلوم ان قطب الدين الكيدري له الاصباح في الفقه وشرح نهج البلاغة وفي الذريعة ان شرحه على النهج اسمه حدائق الحقائق ولكنه في مقام آخر نسب حدائق الحقائق للسيد علاء الدين محمد بن أبي تراب الأصفهاني من سادات كلستانه وان له بهجة الحدائق مختصر من هذا الشرح وحينئذ فيكون تسمية شرحه بالاصباح من سهو القلم. قال الفاضل النوري: وهذه الشروح كلها قبل شرح ابن أبي الحديد بزمان طويل ومع ذلك يقول إنه لم يشرح هذا الكتاب قبلي فيما اعلم الا القطب الراوندي أقول واسبق من الجميع شرح علي بن الناصر المعاصر للشريف الرضي كما يأتي 8 شرح عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي طبع مرتين في إيران ومرة في مصر 9 مختصر شرح ابن أبي الحديد للمولى سلطان محمود بن غلام علي الطبسي ثم المشهدي القاضي في المشهد الرضوي 10 شرح الشيخ كمال الدين ميثم البحراني الكبير يقارب شرح ابن أبي الحديد مطبوع بإيران 11 شرحه المتوسط 12 شرحه الصغير 13 شرح كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم العتائقي الحلي من علماء المائة الثامنة في أربع مجلدات اختاره من شرح ابن ميثم الكبير وشروح الكندري والقاضي عبد الجبار وابن أبي