وقد سئل الشريف المرتضى علم الهدى رضي الله عنه في المسائل التي وردت عليه من الري عن حقيقة الرجعة، فأجاب بما معناه أن هناك من يرى فيها أن الله تعالى يعيد عند ظهور المهدي قوما ممن كان تقدم موته.
وإن غيرهم يرى أن المقصود بها رجوع الدولة والأمر والنهي من دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات انتهى.
فظهر من ذلك أن القول بالرجعة ليس اتفاقيا عند الشيعة بنص السيد المرتضى، وليس معناها متفقا عليه عندهم ولا يأثم منكرها الذي لم تثبت عنده، وإنما هي شبه أمر تاريخي وحادث من حوادث المستقبل، فمن صحت أخبارها عنده لم يسعه إنكارها ولم يكن في اعتقادها ضرر ديني.
ومن لم ير أخبارها أو لم تصح عنده فهو في سعة من عدم الاعتقاد بها. هذه هي الرجعة التي يطبل القوم بها ويزمرون.
ثامنا قوله: وقالت الشيعة أن النار محرمة على الشيعي إلا قليلا الخ. انا نسأل أحمد أمين في أي كتاب وجد هذا من كتب الشيعة وأي شاهد يشهد له بصدق هذه الدعوى التي ادعاها. إن الشيعة تقول وتروي عن أئمتها أن الله خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبدا حبشيا والنار لمن عصاه ولو كان سيدا قرشيا وتقرأ كتاب ربها الذي فيه أن النار للعاصين والجنة للمطيعين وتقول ان المؤمن العاصي لا يخلد في النار كما يقول بذلك أهل السنة.
تاسعا قوله أن النصرانية ظهرت في التشيع في قول بعضهم أن نسبة الامام إلى الله كنسبة المسيح إليه وإن اللاهوت اتحد بالناسوت في الامام عار عن الصحة. فالشيعة تعتقد في الامام أنه نائب عن الرسول وإن نسبته إلى الله أنه عبد لله كما أن نسبة المسيح إلى الله انه عبد لله وهذا الذي حكاه كله كذب وافتراء لا تقول به الشيعة كلها ولا بعضها. وإن وجد بين الناس من يقول بان اللاهوت اتحد بالناسوت في علي بن أبي طالب فلا يصح عده من الشيعة ولا القول بان النصرانية ظهرت في التشيع من قول هذا القائل لأن الشيعة تبرأ من كل قائل بهذا وأمثاله وتعده خارجا عن دين الاسلام وليس هو من التشيع في شئ.
عاشرا قوله: وإن النبوة والرسالة لا تنقطع أبدا الخ هذا أيضا كسابقه كذب وزور وافتراء وبهتان. نعم روى غير الشيعة أن الرسول ص قال: ما أبطا عني جبرائيل إلا وظننت أنه بعث إلى فلان، وهو يوجب أن النبي حين يبطئ عنه جبرائيل يظن أن الله تعالى عدل عن نبوته إلى غيره وشك في استمرار نبوته وفي صدق أخبار الله له أنه خاتم النبيين.
وقد ظهر في هذا العصر قول ممن ينتسب إلى التسنن وكان أصله من المتسمين باهل السنة بان النبوة والرسالة لم تنقطع وأنه هو المسيح وأن محمدا ص ليس هو آخر الأنبياء فهل لأحد أن يعيب السنيين بذلك؟
والحاصل أن الشيعة تبرأ من كل من يؤله البشر أو يقول أن النبوة والرسالة لا تنقطع أبدا أن فرض وجوده وتكفره وتضلله. فهل يستحل ذو دين أن ينسب من يقول بهذين إلى الشيعة وهي تبرأ منه. كما لا يجوز نسبة المجسمة والمشبهة إلى الاسلام ولا يجوز أن يعاب به المسلمون وإن فرض أن أحدا ممن يقول بهذه الضلالات نسب نفسه إلى الشيعة أو كان أصله من الشيعة والشيعة تبرأ منه فما ذنبها في ذلك وأي عيب يلحقها به كما أن من ينسب نفسه إلى التسنن ويقول بأقوال بعض الصوفية من وحدة الوجود ويشطح شطحهم مما قد يؤدي إلى الحلول أو يترك الواجبات ويكتفي عنها ببعض الاذكار محتجا بقوله تعالى: وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين أو يقول ببعض المقالات المنسوبة إلى المعتزلة الذين هم أقرب إلى أهل السنة منهم إلى الشيعة أو يقول بان الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا عن المنبر أو أن الله ينزل على سطوح المساجد كل ليلة جمعة في صورة غلام أمرد قطط الشعر راكبا على حمار أو يقول دعوني من الفرج واللحية وسلوني عما شئتم المؤدي إلى تجسيم الله تعالى ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس قبل الاسلام ليس لنا أن نلحق التبعة في ذلك باهل السنة كما أن وجود الفرق الضالة المتشعبة من الاسلام ليس لغير المسلمين أن يعيبوا بها المسلمين ولا وجودها في بني آدم يعاب به أبونا آدم وأمنا حواء. لا تزر وازرة وزر أخرى. وإذا عذرنا القائل بان الله تعالى يرى يوم القيامة بالعين الباصرة بلا كيف ومن يقول:
- وقد رأى الله بعيني رأسه * في ليلة المعراج لما صعدا - ومن يقول بأنه ينزل إلى سماء الدنيا كنزول ابن تيمية عن المنبر وأنه استوى على العرش بمعنى الاستواء الحقيقي كالاستواء على المنبر. وقلنا أن ذلك لا يؤدي إلى التجسيم مع وجود القائل بأنه تجسيم أو محال. فالشيعة أولى بالعذر إذا نسب المجسم والقائل بالحلول نفسه إليها وهي تبرأ منه.
حادي عشر قوله: وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح الخ... الذي جعله شاهدا لقوله وزرادشتية وهندية هو كسابقيه زور وبهتان وكذب وافتراء وتشنيع بالباطل.
قال: (1) وتستر بعض الفرس بالتشيع وحاربوا الدولة الأموية وما في نفوسهم إلا الكره للعرب ودولتهم والسعي لاستقلالهم (2).
ونقول: جعل هذا شاهدا لما سبق من قوله ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته. وهو رأي لا يخرج عن الخطل فالذين حاربوا الدولة الأموية هم بنو العباس الذين كانوا يرون أنفسهم أحق بالخلافة من الأمويين وهم عرب صميمون وساعدهم أبو مسلم الخراساني والله أعلم بما في نفسه أ هو الكره للعرب ودولتهم أم حب الامارة كما فعل السامانيون والسلاجقة ومماليك مصر وغيرهم ولم يكونوا شيعة، سنة الله في الكون، أم الإخلاص لبني العباس والتشيع لهم ظاهرا وباطنا أم ظاهرا فقط أم الكره لبني أمية ودولتهم التي ظهر فيها من الظلم والقبايح ما ظهر لا لأنهم عرب بل لأعمالهم؟... لسنا نجزم بشئ من ذلك ولا يطلع على ما في النفوس إلا الله لكننا نرجح أن داعي أبي مسلم وأتباعه لحرب الأمويين ليس كره العرب ودولتهم لأنه حاربهم ليأخذ الملك منهم ويعطيه للعرب وان سبب الحرب للأمويين من أبي مسلم وغيره كره أعمال الأمويين فظنوا أن بني العباس سيكونون خيرا منهم فخاب ظنهم ويدل عليه أن الناس كانوا يشتمون مروان بن محمد ويقولون الحمد لله الذي جاءنا باهل بيت نبينا يعنون بني العباس. أما قوله والسعي لاستقلالهم فأي استقلال حازه الفرس بحرب بني أمية وزوال دولتهم وانتقال الدولة إلى العباسيين؟ ما