هي القول بعدالة ما يزيد عن مائة ألف وتقديسهم لأنهم سموا صحابة وقبول حديثهم جميعا فإذا وصل السند إليهم لم يبحث إلا فيمن قبلهم، وعدم جواز نقدهم ولا التكلم فيما شجر بينهم. هذا هو الذي جر على الناس البلاء وجعلهم يذلون ويخضعون خضوعا مطلقا للظلم والفساد ويرضون به ولا يرفعون صوتهم بالنقد ولا يستنكرون بالقلب.
قال (1): وهذا النظر الشيعي إلى الامام يلقي على تاريخ الفاطميين وعلى كل الدول الشيعية ضوءا قويا فتعرف السر لم كان يخضع الناس للخلفاء وكيف ينظرون إليهم نظر تقديس وكيف كانت تقابل أعمالهم مهما جارت وظلمت بالقبول والاستحسان واستشهد لذلك بأبيات من شعر ابن هانئ الأندلسي في المعز.
ونقول: خضوع الناس للخلفاء والملوك إنما هو لكون السيف بأيديهم، شيعة كانوا أم غيرها، هذا هو السر فيه لا السر الذي زعم أنه عرفه من إلقاء النظر الشيعي إلى الامام ضوءا على تاريخ الفاطميين والدول الشيعية، فان الحال في جميع الدول واحد، فالدولة الأموية والدولة العباسية والدولة العثمانية التي رأيناها كانت غير شيعية وكانت الناس تخضع لها وتقابل أعمالها الجائرة مهما بلغت بالقبول والاستحسان ولا يستطيع أحد أن يتناولها بنقد أو إنكار، والدولة الفاطمية وكل الدول الشيعية لم يكن خضوع الناس لها زائدا عن خضوعهم لهذه الدول.
أما أشعار ابن هانئ فكاشعار سائر الشعراء الذين يمدحون للهى في مبالغاتهم وإن كان ابن هانئ زاد على ذلك بما لا يستحسن. هذا الفرزدق يمدح ملوك بني أمية ويبالغ في مدحهم فيقول في هشام:
دعوت أمين الله في الأرض دعوة * ليفرج عن ساقي خير الخلائف فيا خير أهل الأرض إنك لو ترى * بساقي آثار القيود النواسف وهذان أبو تمام والبحتري يمدحان ملوك بني العباس ويبالغان في مدحهم فيقول أبو تمام في المعتصم:
فبين أيامك اللاتي نصرت بها * وبين أيام بدر أقرب النسب ويقول في الواثق:
هي بيعة الرضوان يشرع وسطها * باب السلامة فأدخلوا بسلام ويقول في المأمون:
الله أكبر جاء أكبر من جرت * فتعثرت في كنهه الأوهام من لا يحيط الواصفون بوصفه * حتى يقولوا وصفه إلهام ويقول في ملوك بني العباس:
فيهم سكينة ربهم وكتابه * وإمامتاه واسمه المخزون ويقول البحتري في المتوكل:
نصلي وإتمام الصلاة اعتقادنا * بأنك عند الله خير إمام ويقول فيه:
ذكروا بطلعتك النبي فهللوا * لما طلعت من الصفوف وكبروا ويقول فيه:
وشبيه النبي خلقا * وخلقا ونسيب النبي جدا فجدا ثم قال: وازن بين قوم يرون أن إمامهم أحد الناس وقوم يرون أن إمامهم معصوم وأنظر كيف يسعد الأولون وتتحرر عقولهم ويخشاهم إمامهم ويسعون دائما نحو الكمال بما يثيرون من نقد ويعالجون من إصلاح وكيف يفسد أمر الآخرين وتشل عقولهم ويتدهورون في شؤونهم (2). لكنه ما برح أن أجاب نفسه بنفسه وكفانا مؤونة الجواب فقال: إن أهل السنة يؤاخذون مؤاخذة شديدة على أنهم لم يطبقوا نظريتهم تطبيقا جريئا (3) فلم ينقدوا الأئمة نقدا صريحا (4) ولم يقفوا في وجوههم إذا ظلموا ولم يقوموهم إذا جاروا بل استسلموا لهم استسلاما معيبا فجنوا بذلك على الأمة أكبر جناية الخ.
ونقول: بل زادوا على ذلك والتمسوا لهم الاعذار (5).
قال: (6) ومما ردوا به عليهم ما عن علي في الكافي أنه قال لأصحابه لا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فاني لست آمن أن أخطئ وما روي أن الحسين كان يظهر الكراهة من صلح أخيه الحسن مع معاوية ويقول: لو جز أنفي كان أحب إلي مما فعله أخي.
ونقول: لا ندري مبلغ هذه الرواية من الصحة فلم تتسع فرصتنا الآن لمراجعتها وعلى فرض ثبوتها فليست العصمة علم الغيب بل هي عن الذنوب وقد أراد النبي ص أن يعطي ثلث ثمار المدينة لغطفان يوم الخندق وكتب بينه وبينهم في ذلك كتابا فسأله رؤساء الأنصار أ ذلك أمر من الله أم هو الرأي والتدبير فقال بل هو الرأي والتدبير، أو كما قال، فلم يرضوا فرجع إلى رأيهم ومزق الكتاب واستشار أصحابه يوم أحد في الخروج عن المدينة أو البقاء فرغب الأكثر في الخروج وكان رأيه البقاء فوافقهم وخرج ولم يلزمهم بالبقاء ولو كانت الدنيوية كالدينية لألزمهم. وعاتب الله تعالى على أخذ الفداء يوم بدر بقوله ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى