أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا أعرفه بنفسي انا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب انا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله انا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات انا ابن من قتل صبرا وكفى بذلك فخرا أيها الناس ناشدتكم بالله هل تعلمون انكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقتلتموه وخذلتموه فتبا لما قدمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم بآية عين تنظرون إلى رسول الله إذ يقول لكم قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي.
فارتفعت أصوات الناس بالبكاء من كل ناحية وقال بعضهم لبعض هلكتم وما تعلمون فقال ع: رحم الله امرأ قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله ورسوله وأهل بيته فان لنا في رسول الله أسوة حسنة فقالوا بأجمعهم نحن كلنا سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك فمرنا بامرك يرحمك الله فانا حرب لحربك وسلم لسلمك لنأخذن يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا فقال ع هيهات هيهات أيتها الغدرة المكرة حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم أ تريدون ان تأتوا إلي كما أتيتم إلى آبائي من قبل كلا ورب الراقصات فان الجرح لما يندمل قتل أبي بالأمس وأهل بيته معه ولم ينسني ثكل رسول الله ص وثكل أبي وبني أبي ووجده بين لهاتي (1) ومرارته بين حناجري وحلقي وغصصه تجري في فراش (2) صدري ومسألتي ان لا تكونوا لنا ولا علينا ثم قال:
- لا غرو ان قتل الحسين فشيخه * قد كان خيرا من حسين واكرما - - فلا تفرحوا يا أهل كوفان بالذي * أصاب حسينا كان ذلك أعظما - - قتيل بشط النهر روحي فداؤه * جزاء الذي أرداه نار جهنما - ثم قال رضينا منكم رأسا برأس فلا لنا ولا علينا.
عند ابن زياد وجاء سنان بن انس النخعي إلي باب ابن زياد فقال:
- أوقر ركابي فضة أو ذهبا * اني قتلت السيد المحجبا - - قتلت خير الناس أما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا - فلم يعطه ابن زياد شيئا وقيل إن سنانا أنشد هذه الأبيات على باب فسطاط عمر بن سعد فخذفه بالقضيب وقال أ ومجنون أنت والله لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك وقيل المنشد لها عند ابن سعد وهو شمر وقيل إن قاتل الحسين ع انشدها عند يزيد لعنه الله والله أعلم ثم إن ابن زياد لعنه الله جلس في قصر الامارة وأذن للناس إذنا عاما وأمر باحضار رأس الحسين ع فوضع بين يديه فجعل ينظر إليه ويبتسم وكان في يده قضيب فجعل يضرب به ثناياه ويقول إنه كان حسن الثغر وقال لقد أسرع الشيب إليك يا أبا عبد الله ثم قال: يوم بيوم بدر وكان عنده انس بن مالك فبكى وقال كان أشبههم برسول الله ص وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله ص وهو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فوالله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله ص ما لا أحصيه كثرة يقبلهما ثم انتحب باكيا، فقال له ابن زياد ابكى الله عينيك أ تبكي لفتح الله والله لولا انك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك، فنهض وهو يقول:
أيها الناس أنتم العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة والله ليقتلن خياركم وليستعبدن شراركم فبعدا لمن يرضى بالذل والعار، ثم قال يا ابن زياد لأحدثنك حديثا أغلظ عليك من هذا رأيت رسول الله ص اقعد حسنا على فخذه اليمنى وحسينا على فخذه اليسرى ثم وضع يديه على يافوخيهما ثم قال اللهم إني استودعك إياهما وصالح المؤمنين فكيف كانت وديعة رسول الله ص عندك يا ابن زياد.
زينب وزين العابدين وأدخل نساء الحسين ع وصبيانه على ابن زياد فلبست زينب ع أرذل ثيابها وتنكرت ومضت حتى جلست ناحية من القصر وحف بها اماؤها، فقال ابن زياد من هذه، فلم تجبه فأعاد الكلام ثانيا وثالثا يسال عنها فلم تجبه فقال له بعض امائها هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله ص فاقبل عليها ابن زياد وخاطبها بما فيه الشماتة والجفاء والغلظة والجرأة على الله ورسوله كما يقتضيه لؤم عنصره وخبث طينته وأراد تصديق كونه دعيا ابن دعي، فقال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم واكذب أحدوثتكم، فأجابته زينب ع بما أخرسه وأخزاه وفضحه فقالت: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد ص وطهرنا من الرجس تطهير انما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا، فقال كيف رأيت فعل الله بأخيك وأهل بيتك، فقالت ما رأيت الا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتتحاجون إليه وتختصمون عنده فانظر لمن الفلج يومئذ هبلتك أمك يا ابن مرجانة. فغضب واستشاط حين أعياه الجواب، وكانه هم بها فقال له عمرو بن حريث:
أيها الأمير انها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشئ من منطقها ولا تذم على خطيئتها.
فلجا ابن زياد حينئذ إلى البذاءة وسوء القول مما هو جدير به فقال لها: لقد شفى الله نفسي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك، فرقت زينب وبكت وقالت له: لعمري لقد قتلت كهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي فإن كان هذا شفاءك فقد اشتفيت، وعرض عليه زين العابدين علي بن الحسين ع فقال من أنت؟ قال علي بن الحسين فقال:
أ ليس قد قتل الله علي بن الحسين، فقال له علي: قد كان لي أخ يسمى عليا قتله الناس، فقال بل الله قتله، فقال علي بن الحسين: الله يتوفى الأنفس حين موتها، فغضب ابن زياد وقال وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للرد علي اذهبوا به فاضربوا عنقه، فتعلقت به عمته زينب وقالت يا ابن زياد حسبك من دمائنا واعتنقته وقالت لا والله لا أفارقه فان قتلته فاقتلني معه فقال لها علي اسكتي يا عمة حتى أكلمه، ثم أقبل عليه فقال: أ بالقتل تهددني يا ابن زياد أ ما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة. ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسين ع وأهل بيته فحملوا إلى دار بجنب المسجد الأعظم فقالت زينب بنت علي ع لا تدخلن علينا عربية الا أم ولد أو مملوكة فإنهن سبين كما سبينا، ولما أصبح ابن زياد أمر برأس الحسين ع فطيف به في سكك الكوفة كلها وقبائلها ولما فرع القوم من التطواف به في الكوفة ردوه إلى باب القصر. ثم إن ابن زياد نصب الرؤوس كلها بالكوفة على الخشب وهي أول رؤوس نصبت في الاسلام بعد رأس مسلم بن عقيل بالكوفة.
ابن زياد يبشر يزيد وعمرو بن سعيد وكتب ابن زياد إلى يزيد يخبره بقتل الحسين ع وخبر أهل بيته