الغرض. وقال الفخر الرازي ما حاصله إن الوقت وإن وسع لكن الاقدام على هذا العمل مما يضيق قلب الفقير والصدقة عند المناجاة واجبة اما المناجاة فليست بواجبة ولا مندوبة بل الأولى تركها لأنها كانت سببا لسامة النبي ص وأقول إذا كان الأمر كذلك فأي معنى لقوله تعالى أ أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإن لم تفعلوا وتاب الله عليكم الآية وأي وجه لهذا العتاب والتقريع وإذا كان الأولى ترك المناجاة فأي معنى لقوله تعالى وتاب الله عليكم حتى جعلها ذنبا يوجب التوبة وترك المناجاة وإن لم يكن حراما في نفسه لكن تركه بخلا ورغبة عن مناجاة رسول الله ص التي فيها تعلم الأحكام وخير الدنيا والآخرة إن لم يكن ذنبا فهو مساوق للذنب فيوجب التوبة حقيقة أو تنزيلا والمناجاة التي كان الأولى تركها هي ما يوجب الملالة أو مزاحمة الأغنياء للفقراء لا مطلق المناجاة وبناء على هذه الفلسفة الواهية يلزم أن يكون الأولى ترك عمل الخيرات من الأغنياء لئلا تنكسر قلوب الفقراء العاجزين عنها ولهذا قال النيسابوري بعد نقله ذلك عن القاضي والفخر: هذا الكلام لا يخلو عن تعصب وهل يقول منصف إن مناجاة النبي ص نقيصة اه أقول بل هو تعصب مجسم ومنه يعلم أن التعصب كيف يؤدي بابن آدم إلى أن ينكر الشمس الضاحية. وروى الحاكم في المستدرك بالاسناد إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قال علي بن أبي طالب إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي آية النجوى يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قال كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم فناجيت النبي ص فكنت كلما ناجيته قدمت بين يدي نجواي درهما ثم نسخت فلم يعمل بها أحد فنزلت أ أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات الآية قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأورده الذهبي في مختصر المستدرك ولم يعلق عليه شيئا.
الثالث والعشرون حسن الخلق وطلاقة الوجه قال ابن أبي الحديد: واما سجاحة الأخلاق وبشر الوجه وطلاقة المحيا والتبسم فهو المضروب به المثل فيه حتى عابه بذلك أعداؤه وقال عمرو بن العاص لأهل الشام أنه ذو دعابة شديدة وقال علي ع في ذلك عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة وإن امرؤ تلعابة أعافس وأمارس.
وعمرو بن العاص انما اخذها عن عمر بن الخطاب لقوله لما عزم على استخلافه لله أبوك لولا دعابة فيك إلا أن عمر اقتصر عليها وعمرو زاد فيها وسمجها وقال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه: كان فينا كأحدنا لين جانب وشدة تواضع وسهولة قياد وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه. وقال معاوية لقيس بن سعد: رحم الله أبا حسن فلقد كان هشا بشا ذا فكاهة قال قيس نعم كان رسول الله ص يمزح ويبسم إلى أصحابه أراك تسر حسوا في ارتغاء وتعيبه بذلك أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى تلك هيبة التقوى ليس كما يهابك طغام أهل الشام. قال وقد بقي هذا الخلق متوارثا متناقلا في محبيه وأوليائه إلى الآن كما بقي الجفاء والخشونة والوعورة في الجانب الآخر ومن له أدنى معرفة باخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك اه.
الرابع والعشرون حسن الرأي والتدبير قال ابن أبي الحديد: أما الرأي والتدبير فكان من أشد الناس رأيا وأصحهم تدبيرا وهو الذي أشار على عمر لما عزم أن يتوجه بنفسه إلى حرب الروم والفرس بما أشار وهو الذي أشار على عثمان بأمور كان صلاحه فيها ولو قبلها لم يحدث عليه ما حدث اه أقول وهو الذي أشار على المسلمين بان يدفن النبي ص في موضع وفاته وأن يصلي عليه المسلمون فرادى بدون امام جماعة بعد جماعة وإن شئت أن تجعل هذا من العلم والفقه فلك ذلك. وهو الذي أشار على عمر بوضع التاريخ للهجرة. روى الحاكم في المستدرك بسنده عن سعيد بن المسيب: جمع عمر الناس فسألهم من أي يوم يكتب التاريخ فقال علي بن أبي طالب من يوم هاجر رسول الله ص وترك أرض الشرك ففعله عمر وذكره ابن الأثير في تاريخه عن سعيد بن المسيب مثله. ومن اخباره في جودة الرأي ما رواه المفيد في الارشاد عن شبابة بن سوار عن أبي بكر الهذلي قال سمعت رجلا من علمائنا يقول: وذكر حديثا خلاصته أنه انتهى خبر إلى من بالكوفة من المسلمين أن جموعا كثرة تحتشد في فارس لغزوهم، فانهى مسلمو الكوفة الخبر إلى عمر ففزع لذلك فزعا شديدا فاستشار المسلمين وقال أن الشيطان قد جمع لكم جموعا واقبل بها ليطفئ بها نور الله فأشار عليه طلحة بالمسير بنفسه وقال عثمان ارى أن تشخص أهل الشام من شامهم وأهل اليمن من يمنهم وتسير أنت في أهل هذين الحرمين وأهل المصرين الكوفة والبصرة فتلقى جميع المشركين بجميع المؤمنين وقال علي انك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم وإن أشخصت أهل هذين الحرمين انتقضت عليك العرب من اطرافها فاما ذكرك كثرة العجم ورهبتك من جموعهم فانا لم نكن نقاتل على عهد رسول الله ص بالكثرة وانما كنا نقاتل بالبصيرة وإن الأعاجم إذا نظروا إليك قالوا هذا رجل العرب فان قطعتموه فقد قطعتم العرب وكان أشد لكلبهم ولكني ارى أن تقر هؤلاء في امصارهم وتكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا على ثلاث فرق فلتقم فرقة منهم على ذراريهم ولتقم فرقة على أهل عهدهم لئلا ينتقضوا ولتسر فرقة منهم إلى اخوانهم مددا لهم فقال عمر أجل هذا هو الرأي وقد كنت أحب أن أتابع عليه وجعل يكرر قول علي وينسقه اعجابا به واختيارا له.
ثم أنه قد يظن أو يعتقد بعض من لا خبرة له أو من غلب عليه الهوى أو التقليد أن عليا ع أضعف رأيا وأقل تدبيرا من سواه ويستدل على ذلك بعدم انتظام الأمر له أيام خلافته وبتغلب معاوية على قسم كبير من المملكة الاسلامية وبأنه لم لم يول معاوية على الشام ثم يعزله وبان مساواته بين الناس في العطاء كان خلاف الرأي بل كان ينبغي أن يستميل الأكابر بالمال ليكونوا معه كما كان يفعل معاوية والجواب عن ذلك واضح بين لا يحتاج إلى إطالة الكلام وكثرة النقض والابرام فان عليا ع لم يكن طالب ملك ولا امارة ولا طالب دنيا وإنما كان هدفه الأعلى ومقصده الوحيد وغايته المطلوبة رضا الله وإقامة عمود الحق ومحو الباطل، والدنيا والمال والملك لا تساوي عنده جناح بعوضة فكيف يمكن أن يتوصل إليها بضد ما هو هدفه ومقصده وغايته ولم يكن يرى التوصل إلى الملك والامارة من أي طريق كان وبأي وجه اتفق ولا يستحل التوصل إلى تثبيت ملكه بشئ يخالف الشرع من قتل النفوس البريئة ونقض العهود ودس السموم وسلب الأموال والمداهنة وغير ذلك ومن كانت هذه صفته