سيرته عن ابن شهاب الزهري قال كان مع عمرو ابنه حسل فقتله علي ع ولعله قتله قبل أن يهرب ولذلك قالوا إن من قتل من الهاربين اثنان ولو كان معهم لكانوا ثلاثة. ولا شك ان منبها وعكرمة وضرارا بعد ما وصلوا من هزيمتهم إلى عسكر المشركين اخبروهم بما جرى لعمرو وبما أوجب هزيمتهم ففت ذلك في اعضادهم.
وقد امتاز علي عن جميع من حضر الخندق بأمور:
الأول مبادرته لحماية الثغرة التي عبر منها عمرو وأصحابه، والذين كانوا معه لولاه لم يجيئوا ولولا ثباته لم يثبتوا بدليل انه لما فارقهم ثم رجع إليهم وحدهم قد طارت نفوسهم جزعا كما مر ومع ذلك فلم يجدوا طائلا فإنه لما هرب الفرسان الذين كانوا مع عمرو لم يقدروا ان يمنعوهم ولا ان يقتلوهم فمنبه طفر الخندق وأصابه سهم قبل طفره أو بعده ولم يذكروا من الذي رماه فوصل مكة جريحا ومات بها وضرار وعكرمة طفرا الخندق وسلما وهبيرة لم يلحقه غير علي ونوفل طفر فوق الخندق ولم يقدروا عليه ولو لم يتورط به فرسه لسلم ولعلهم كانوا ممن رماه بالحجارة لما سقط في الخندق فكان ذلك اقصى مجهودهم.
الثاني وهو اعظمها مبارزته عمرا وقتله حتى قال رسول الله ص ان ضربته عمرا تعدل عمل الثقلين وكانت هي الموجبة لهرب المشركين.
الثالث لحاقه بالمنهزمين وهو راجل وهم فرسان لم يمنعه ما به من التعب بمبارزة عمرو ومجاولته التي أثارت غبارا حجبهما عن الأنظار كأنه غبار جيش عرمرم.
الرابع نزوله إلى نوفل إلى الخندق وقتله بضربة قسمته نصفين من ضرباته المشهورة التي إذا علا بها قد وإذا اعترض قط.
الخامس لحاقه بهبيرة وعلي راجل وهبيرة فارس فلم يثبت له هبيرة مع أنه فارس وما نجاه الا الهرب على فرسه ومع ذلك فقد كاد ان يقتله وأسقط منه درعه التي احتقبها.
السادس قتله حسل بن عمرو ولم يكن في الثلاثة الآلاف الذين حضروا الخندق من يقوم إليه فيقتله حتى جاءه علي فالحقه بأبيه.
السابع انه لم يسلب عمرا درعه مع أنها من الدروع الممتازة بين دروع العرب. في ارشاد المفيد روى يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال لما قتل علي بن أبي طالب عمرا اقبل نحو رسول الله ص ووجهه يتهلل فقال له عمر بن الخطاب هلا سلبته يا علي درعه فإنه ليس في العرب درع مثلها فقال اني استحييت ان اكشف سوأة ابن عمي وفي السيرة الحلبية عن السهيلي نحوه. وقال الحاكم في المستدرك ثم اقبل علي نحو رسول الله ص ووجهه يتهلل فقال عمر بن الخطاب: هلا سلبته درعه فليس للعرب درع خير منها فقال ضربته فاتقاني بسوءته واستحييت ابن عمي ان استلبه اه - ان الأسود اسود الغاب همتها * يوم الكريهة في المسلوب لا السلب - وقد كشف عمرو سوأته يوم صفين كما كشفها عمرو يوم الخندق فعمرو صفين نجاه كشفها من القتل وعمرو الخندق نجاه من السلب.
الثامن ما وجده في نفسه من القوة والثبات حين بارزه بحيث لو كان مكانه جميع أهل المدينة لقدر عليهم ولم يأخذه خوف منه ولا رهبة مع اشتهاره بالشجاعة والفروسية ومع احجام الناس عن مبارزته الذي يوجب عادة وقوع الهيبة منه في نفس من يريد مبارزته قال الرازي في تفسيره انه ص قال لعلي بعد قتله لعمرو بن عبد ود، كيف وجدت نفسك معه يا علي قال وجدتها لو كان أهل المدينة كلهم في جانب وأنا في جانب لقدرت عليهم.
التاسع ان قتله عمرا ونوفلا كان سبب هزيمة المشركين مع ما أصابهم من الريح والبرد وسبب خوفهم ان يعاودوا الغزو قال المفيد وكان قتل علي ع عمرا و نوفلا سبب هزيمة المشركين وقال رسول الله ص بعد قتله هؤلاء النفر اليوم نغزوهم ولا يغزوننا وذلك قوله تعالى ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا في الارشاد روى يوسف بن كليب عن سفيان بن زيد عن قترة وغيره عن عبد الله بن مسعود انه كان يقرأ: وكفى الله المؤمنين للقتال بعلي. وفيه روى علي بن الحكم الأودي سمعت أبا بكر بن عياش يقول لقد ضرب علي ضربة ما كان في الاسلام أعز منها. ولقد ضرب علي ع ضربة ما ضرب في الاسلام اشأم منها يعني ضربة ابن ملجم.
العاشر انه توجه اللوم والعتاب يوم الأحزاب إلى المسلمين ولم ينج منه الا علي قال المفيد في الارشاد: وفي الأحزاب انزل الله تعالى: إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذا زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا إلى قوله وكفى المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا قال فتوجه العتب إليهم والتوبيخ والتقريع ولم ينج من ذلك أحد بالاتفاق الا أمير المؤمنين إذ كان الفتح له وعلى يديه.
الحادي عشر قول النبي ص برز الايمان كله إلى الشرك كله كما مر.
قال المفيد وقد روى هشام بن محمد عن معروف بن خربوذ قال قال علي بن أبي طالب في يوم الخندق:
- أ علي تقتحم الفوارس هكذا * عني وعنهم خبروا أصحابي - - اليوم تمنعني الفرار حفيظتي * ومصمم في الرأس ليس بنابي - - أرديت عمرا إذا طغى بمهند * صافي الحديد مجرب قصاب - - فصدرت حين تركته متجدلا * كالجذع بين دكادك وروابي - - وعففت عن أثوابه ولو انني * كنت المقطر بزني أثوابي - ومرت أبيات أربعة على هذا الوزن وهذه القافية وفيها بعض هذه الأربعة ولعل الجميع من قصيدة واحدة وفرقها الرواة.
وقال النبي ص قتل علي لعمرو بن عبد ود أفضل من عبادة الثقلين.
وروى الحاكم في المستدرك بسنده ان النبي ص قال لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من اعمال أمتي إلى يوم القيامة. وقال ابن تيمية على عادته المعلومة في انكار ما يثبت فضل علي وأهل بيته ولو كان متواترا مسلما في الحديث الأول انه حديث موضوع قال وكيف يكون قتل كافر أفضل من عبادة الثقلين الإنس والجن ومنهم الأنبياء بل إن عمرو بن عبد ود هذا لم يعرف له ذكر الا في هذه الغزوة اه. وفي السيرة الحلبية ما حاصله: ان استدلاله بقوله وكيف يكون الخ فيه نظر لأن قتل هذا كان فيه نصرة للدين وخذلان للكافرين قال ويرد قوله إنه لم يعرف له ذكر الا في هذه الغزوة ما روي من أنه قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة