- من فتى يأخذ الطريق إلى الله * فكنت الذي أخذت الطريقا - - حاسر الرأس لا أريد سوى الموت * ارى الأعظم الجليل دقيقا - - فإذا فارس تقحم في النقع * خدبا مثل السحوق فنيقا - - فبداني حجل ببادرة الطعن * وما كنت قبلها مسبوقا - - فتلقيته بعالية الرمح * كلانا يطاول العيوقا - - احمد الله ذا الجلالة والقدرة * حمدا يزيدني توفيقا - - لم انل قتله ببادرة الطعمة * مني ولم أكن مفروقا - - قلت للشيخ لست أكفرك الدهر * لطيف الغذاء والتفنيقا - - غير اني أخاف ان تدخل النار * فلا تعصني وكن لي رفيقا - - وكذا قال لي فغرب تغري * أبا وشرقت راجعا تشريقا - ذم معاوية للأنصار ودعا معاوية النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري ومسلمة بن مخلد الأنصاري ولم يكن معه من الأنصار غيرهما فقال يا هذان لقد غمني ما لقيت من الأوس والخزرج صاروا واضعي سيوفهم على عواتقهم يدعون إلى النزال حتى والله جبنوا أصحابي الشجاع والجبان أو حتى والله ما أسال عن فارس من أهل الشام إلا قالوا قتله الأنصار أما والله لألقينهم بجدي وحديدي ولاعين لكل فارس منهم فارسا ينشب في حلقه ثم لأرمينهم باعدادهم من قريش رجال لم يغذهم التمر والطفيشل (1) يقولون نحن الأنصار قد والله آووا ونصروا ولكن أفسدوا حقهم بباطلهم فغضب النعمان فقال يا معاوية لا تلومن الأنصار بسرعتهم في الحرب فإنهم كذلك كانوا في الجاهلية وأما دعاؤهم إلى النزال فلقد رأيتهم مع رسول الله ص وأما لقاؤك إياهم في اعدادهم من قريش فقد علمت ما لقيت قريش منهم فان أحببت أن ترى فيهم مثل ذلك آنفا فافعل وأما التمر والطفيشل فان التمر كان لنا فلما ان ذقتموه شاركتمونا فيه وأما الطفيشل فكان لليهود فلما أكلناه غلبناهم عليه كما غلبت قريش على السخينة (2) ثم تكلم مسلمة بن مخلد فقال يا معاوية ان الأنصار لا تعاب احسابها ولا نجداتها وأما غمهم إياك فقد والله غمونا ولو رضينا ما فارقونا وما فارقنا جماعتهم وإن في ذلك لما فيه من مباينة العشيرة ولكن حملنا ذلك ورجونا منك عوضه وأما التمر والطفيشل فإنهما يجران عليك نسب السخينة والخرنوب (3) وانتهى الكلام إلى الأنصار فجمع قيس بن سعد الأنصاري الأنصار ثم قام خطيبا فيهم فقال إن معاوية قد قال ما بلغكم وأجاب عنكم صاحبكم فلعمري لئن غظتم معاوية اليوم لقد غظتموه بالأمس وان وترتموه في الاسلام لقد وترتموه في الشرك وما لكم إليه من ذنب أعظم من نصر هذا الدين الذي أنتم عليه فجدوا اليوم جدا تنسونه ما كان أمس وجدوا غدا جدا تنسونه ما كان اليوم فأنتم مع هذا اللواء الذي كان يقاتل عن يمينه جبرائيل وعن يساره ميكائيل والقوام مع لواء أبي جهل والأحزاب وأما التمر فانا لم نغرسه ولكن غلبنا عليه من غرسه وأما الطفيشل فلو كان طعامنا سمينا به كما سميت قريش السخينة ثم قال قيس بن سعد في ذلك شعرا:
- يا ابن هند دع التوثب في الحر * ب إذا نحن بالجياد سرينا - - نحن من قد علمت فادن إذا شئت * بمن شئت في العجاج إلينا - - ان تشأ فارس له فارس منا * وإن شئت باللفيف التقينا - - اي هذين ما أردت فخذه * ليس منا وليس منك الهوينا - - ثم لا تنزع العجاجة حتى * تنجلي حربنا لنا أو علينا - - ليت ما تطلب الغداة أتانا * أنعم الله بالشهادة عينا - - أننا أننا الذين لدى الفتح * شهدنا وخيبرا وحنينا - - بعد بدر وتلك قاصمة الظهر * واحد وبالنضير ثنينا - - يوم الأحزاب فيه قد علم الناس * شفينا من نحوكم واشتفينا - فلما بلغ شعره معاوية دعا عمرو بن العاص فقال ما ترى في شتم الأنصار قال أرى أن توعد ولا تشتم ما عسى أن تقول لهم إذا أردت ذمهم ذم أبدانهم ولا تذم أحسابهم، قال معاوية ان خطيب الأنصار قيس بن سعد يقوم كل يوم خطيبا وهو والله يريد أن يفنينا غدا إن لم يحبسه عنا حابس الفيل فما الرأي؟ قال: الرأي التوكل والصبر، فأرسل معاوية إلى رجال من الأنصار فعاتبهم فمشوا إلى قيس فقالوا ان معاوية لا يريد شتمنا فكف عن شتيمه فقال إن مثلي لا يشتم ولكن لا أكف عن حربه حتى القى الله. وتحركت الخيل غدوة فظن قيس بن سعد أن فيها معاوية فحمل على رجل يشبهه فقنعه بالسيف فإذا هو غير معاوية، وحمل على آخر يشبهه أيضا فضربه ثم انصرف، فلما تحاجز الفريقان شتمه معاوية شتما قبيحا وشتم الأنصار فغضب النعمان ومسلمة فأرضاهما بعد ما هما أن ينصرفا إلى قومهما. ثم أن معاوية سال النعمان أن يخرج إلى قيس فيعاتبه ويسأله السلم فخرج فقال له: يا قيس أ لستم معشر الأنصار تعلمون أنكم أخطأتم في خذل عثمان وقتلتم أنصاره يوم الجمل وأقحمتم خيولكم على أهل الشام بصفين فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا لكانت واحدة بواحدة ولكنكم خذلتم حقا ونصرتم باطلا ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس حتى أعملتم في الحرب ودعوتم إلى البراز ثم لم ينزل بعلي أمر قط إلا هونتم عليه المصيبة ووعدتموه الظفر وقد أخذت الحرب منا ومنكم ما قد رأيتم فاتقوا الله في البقية. فضحك قيس ثم قال: ما كنت أراك يا نعمان تجترئ على هذه المقالة أنه لا ينصح أخاه من غش نفسه، وأنت والله الغاش الضال المضل، أما ذكرك عثمان فإن كانت الأخبار تكفيك فخذ عني واحدة: قتل عثمان من لست خيرا منه وخذله من هو خير منك، وأما أصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث، وأما معاوية فوالله أن لو اجتمعت عليه العرب لقاتلته الأنصار، وأما قولك أنا لسنا كالناس فنحن في هذه الحرب كما كنا مع رسول الله ص نتقي السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، ولكن انظر يا نعمان هل ترى مع معاوية إلا طليقا أو أعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور؟ أين المهاجرون والأنصار والتابعون باحسان الذين رضي الله عنهم؟ ثم هل ترى مع معاوية غيرك وصويحبك ولستما والله ببدريين ولا أحديين ولا لكما سابقة في الاسلام ولا آية في القرآن، ولعمري لئن شغبت علينا لقد شغب علينا أبوك يشير إلى ما فعله أبوه يوم السقيفة، وقال قيس في ذلك:
- والراقصات بكل أشعث أغبر * خوص العيون تحثها الركبان - - ما ابن المخلد ناسيا أسيافنا * عمن نحاربه ولا النعمان -