في سيرته بأطول من ذلك فنحن ننقله منها قالت شكرتك يد افتقرت بعد غني ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر وأصاب الله بمعروفك مواضعه ببرك مواقعه ولا جعل لك إلى لئيم حاجة ولا سلب نعمة من كريم الا وجعلك سببا لردها عليه. وبعض ما ذكره شارح رسالة ابن زيدون قد انفرد به مثل قوله: لما اتي بسبايا طئ وقفت جارية إلى قوله: بفصاحتها، وللتأمل في صحته مجال أولا انه هو الذي جاء بسبايا طئ ومعهن سفانة فلا بد أن يكون رآها مرارا فكيف يقول فلما رأيتها أعجبت بها ولا يصح أن يريد لما رأيتها عند سبيها لأن ظاهر السوق ان ذلك كان لما وقفت امام النبي ص وكلمته ثانيا ان مقام علي ع ارفع من أن يتطلع إلى جارية مسبية فيعجب بجمالها ثم يقول فلما تكلمت أنسيت جمالها بفصاحتها ثالثا ان طلبها من النبي إنما هو للتسري بها لما رأى من جمالها ولم يكن ليتسرى في حياة الزهراء ع ولا ينافيه اصطفاؤه جارية في خبر سريته لليمن فلعل ذلك كان للخدمة رابعا ان هذا الذي نقله شارح الرسالة لم يذكره ابن سعد في طبقاته ولا ابن هشام في سيرته ولا صاحب السيرة الحلبية ولا دحلان في سيرته ولا غيرهم ممن رأينا كلامه وذلك يوجب الريب في صحته.
وأسلمت سفانة وحسن اسلامها وقدمت على أخيها عدي بدومة الجندل. قال عدي بن حاتم فأقامت عندي فقلت لها وكانت امرأة حازمة ما ذا ترين في أمر هذا الرجل قالت أرى والله ان تلحق به سريعا فان يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله وان يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن وأنت أنت فقلت والله ان هذا لهو الرأي فقدم عدي على النبي ص بالمدينة واسلم وحسن اسلامه وكان من خواص أصحاب أمير المؤمنين ع وشهد معه مشاهده كلها.
مسائل غامضة سئل عنها علي أمير المؤمنين ع وقد ادرجها ابن شهرآشوب في المناقب وإبراهيم بن هاشم في كتاب عجائب أحكامه في ضمن قضاياه وأحكامه العجيبة والأولى إفرادها عنها وهذه كقضاياه منها ما وقع في حياة الرسول ص ومنها في امارة الخلفاء الثلاثة ومنها في امارته ونحن نذكر كلا منها في محله كما فعلنا في قضاياه واحكامه.
ما سئل عنه في حياة الرسول ص من المسائل الغامضة في مناقب ابن شهرآشوب: جابر وابن عباس ان أبي بن كعب قرأ عند النبي ص واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة فقال النبي ص لقوم عنده وفيهم أبو بكر وأبو عبيدة وعمر وعثمان وعبد الرحمن قولوا الآن ما أول نعمة غرسكم الله بها وبلاكم بها فخاضوا في المعاش والرياش والذرية والأزواج فلما أمسكوا قال يا أبا الحسن قل فقال: ان الله خلقني ولم أكن شيئا مذكورا وانه أحسن بي فجعلني حيا لا مواتا وان أنشأني فله الحمد في أحسن صورة واعدل تركيب وانه جعلني متفكرا واعيا لا ابله ساهيا وانه جعل لي شواعر أدرك بها ما ابتغيت وجعل في سراجا منيرا وانه هداني لدينه ولم يضلني عن سبيله وانه جعل لي مردا في حياة لا انقطاع لها وإنه جعلني مالكا لا مملوكا وانه سخر لي سماءه وارضه وما فيهما وما بينهما من خلقه وانه جعلنا ذكرانا قواما على حلائلنا لا إناثا. وكان رسول الله ص يقول في كل كلمة صدقت. ثم قال فما بعد هذا فقال علي: وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها فتبسم رسول الله ص وقال ليهنئك الحكمة ليهنئك العلم يا أبا الحسن أنت وارث علمي والمبين لأمتي ما اختلفت فيه من بعدي الخبر.
اخباره في غزوة تبوك وكانت في رجب سنة تسع من الهجرة.
ومرت مفصلة في الجزء الثاني ونعيد منها هنا ما له تعلق بأمير المؤمنين ع وان لزم بعض التكرار. كان سببها كما مر هناك انه بلغه ان الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام وان هرقل رزق أصحابه لسنة وأحلبت معه قبائل العرب وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء ومر قول المفيد: فاوحى الله عز اسمه إلى نبيه ص ان يسير إليها بنفسه ويستنفر الناس للخروج معه واعلمه انه لا يحتاج فيها إلى حرب ولا يمنى بقتال عدو وان الأمور تنقاد له بغير سيف وتعبده بامتحان أصحابه بالخروج معه واختبارهم ليتميزا بذلك وتظهر به سرائرهم فأبطأ أكثرهم ونهض بعضهم على استثقال للنهوض وتخلف آخرون. قال الطبري: قال ابن إسحاق خلف رسول الله ص علي بن أبي طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم وخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري وقال ابن هشام استعمل على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري وخلف علي بن أبي طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم. وقال المفيد لما أراد النبي ص الخروج استخلف أمير المؤمنين ع في أهله وولده وازواجه ومهاجره وقال له يا علي ان المدينة لا تصلح الا بي أو بك وذلك أنه ع علم من خبث نيات الاعراب وكثير من أهل مكة ومن حولها ممن غزاهم وسفك دماءهم فاشفق ان يطلبوا المدينة عند نأيه عنها وحصوله ببلاد الروم أو نحوها فمتى لم يكن فيها من يقوم مقامه لم يؤمن من معرتهم وايقاع الفساد في دار هجرته والتخطي إلى ما يشين أهله ومخلفيه وعلم أنه لا يقوم مقامه في ارهاب العدو وحراسة دار الهجرة وحياطة من فيها الا أمير المؤمنين فاستخلفه ظاهرا ونص عليه بالإمامة من بعده نصا جليا ولو علم الله عز وجل ان لنبيه في هذه الغزاة حاجة إلى الحرب والأنصار لما أذن له في تخليف أمير المؤمنين عنه بل علم أن المصلحة في استخلافه وان اقامته في دار هجرته مقامه أفضل الأعمال اه ولم يذكر المفيد استخلاف أحد غيره وهو الظاهر الموافق للاعتبار فإنه لم يكن ليشرك معه أحدا في الولاية على المدينة مع ظهور شجاعته وكفاءته وحسن تدبيره. وإذا كان يخلف عليها في أكثر غزواته كما مر ابن أم مكتوم وهو مكفوف البصر ويكتفي به أ فلا يكون علي ع فيه الكفاءة للاستخلاف عليها مع اضطراب الرواية فيمن استخلفه غيره فقيل محمد بن مسلمة وقيل سباع بن عرفطة كما مر وقيل ابن أم مكتوم حكاه في السيرة الحلبية. وحكى عن ابن عبد البر أنه قال الأثبت انه علي بن أبي طالب أقول وانما لم يستصحبه لما اخبره الله تعالى بأنه لا يلقى حربا فكان بقاؤه في المدينة أهم للخوف عليها من المنافقين والعرب الموتورين وهذا أمر واضح جلي. قال ابن هشام: فارجف به المنافقون وقالوا ما خلفه الا استثقالا له وتخففا منه فلما قالوا ذلك اخذ علي سلاحه ثم خرج حتى اتى رسول الله ص وهو نازل بالجرف فقال يا نبي الله زعم المنافقون انك انما خلفتني لأنك استثقلتني وتخففت مني فقال كذبوا ولكن خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك أ فلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي فرجع علي إلى المدينة اه وقال المفيد تظاهرت الرواية بان أهل النفاق لما علموا باستخلاف رسول الله ص عليا ع على المدينة حسدوه لذلك