رجوع أمير المؤمنين ع إلى الكوفة روى نصر عن عبد الرحمن بن جندب قال لما اقبل علي ع من صفين اقبلنا معه قال نصر ورجع أمير المؤمنين ع إلى الكوفة فاخذ طريقا غير الطريق الذي اقبلنا فيه فقال آئبون عابدون لربنا حامدون اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في المال والأهل ثم اخذ بنا طريق البر على شاطئ الفرات حتى انتهينا إلى هيت واخذنا على صندوداء فخرج الأنماريون بنو سعيد بن خريم واستقبلوه فعرضوا عليه النزول فلم يقبل فبات بها ثم غدا حتى جزنا النخيلة ورأينا بيوت الكوفة فإذا شيخ في ظل بيت عليه اثر المرض فقال له علي ع ما لي أرى وجهك منكسفا أ من مرض قال نعم قال لعلك كرهته قال ما أحب أنه يعتري قال أ ليس احتسبت بالخير فيما أصابك منه قال بلى قال ابشر برحمة ربك وغفران ذنبك من أنت قال انا صالح بن سليم من بني سلامان والجوار والدعوة في بني سليم بن منصور قال سبحان الله ما أحسن اسمك واسم أبيك واسم اعدادك ومن اعتزيت إليه، ما يقول الناس فيما كان بيننا وبين أهل الشام؟
قال منهم المسرور وأولئك أغنياء الناس ومنهم المكبوت الآسف وأولئك نصحاء الناس لك فقال صدقت جعل الله ما كان من شكواك حظا لسيئاتك فان المرض لا اجر فيه ولكن لا يدع للعبد ذنبا الا حطه انما الأجر في القول باللسان والعمل باليد والرجل وإن الله عز وجل يدخل بصدق النية والسريرة الصالحة من عباده الجنة ثم مضى فلقيه عبد الله بن وديعة الأنصاري فقال ما سمعت الناس يقولون في امرنا هذا؟ قال منهم المعجب به ومنهم الكاره له والناس كما قال الله تعالى ولا يزالون مختلفين قال ما يقول ذوو الرأي قال يقولون إن عليا كان له جمع عظيم ففرقه وحصن حصين فهدمه فمتى يبني مثل ما هدم ومتى يجمع مثلما فرق فلو أنه كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظهره الله أو يهلك كان ذلك هو الحزم، فقال انا هدمت أم هم هدموا، وانا فرقت أم هم تفرقوا؟ وأما قولهم لو أنه مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فوالله إن كنت سخي النفس بالدنيا طيب النفس بالموت، ولقد هممت بالاقدام فنظرت إلى هذين قد استقدماني يعني الحسن والحسين فعلمت انهما إن هلكا انقطع نسل محمد ص من هذه الأمة. ثم مضى حتى جزنا دور بني عوف فإذا نحن بقبور سبعة أو ثمانية عن ايماننا فسال عنها فقيل له إن خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك فاوصى أن يدفن في الظهر فدفن الناس حوله فترحم عليه وأثنى عليه ثم اقبل حتى دخل سكة الثوريين ثور همدان فسمع البكاء، فقال ما هذه الأصوات قيل هذا البكاء على من قتل بصفين، قال اما اني شهيد لمن قتل منهم صابرا محتسبا بالشهادة، ثم مر بالشباميين فسمع رنة شديدة فخرج إليه حارب بن شرحبيل الشبامي، فقال علي: أ يغلبكم نساؤكم أ لا تنهونهن عن هذا الصياح والرنين، فقال يا أمير المؤمنين لو كانت دارا أو دارين أو ثلاثا قدرنا على ذلك ولكن من هذا الحي ثمانون ومائة قتيل فليس من دار الا وفيها بكاء، اما نحن معاشر الرجال فانا لا نبكي ولكن نفرح لهم بالشهادة فقال علي: رحم الله قتلاكم وموتاكم واقبل يمشي معه وعلي راكب، فقال له ارجع ووقف، ثم قال ارجع فان مشي مثلك فتنة للوالي ومذلة للمؤمنين، ثم مضى حتى مر بالناعطيين (1) فسمع رجلا منهم يقال له عبد الرحمن بن مرثد فقال ما صنع علي والله شيئا، ذهب ثم انصرف في غير شئ، فلما نظر أمير المؤمنين ع إليه أبلس، فقال علي ع وجوه قوم ما رأوا الشام العام ثم قال لأصحابه قوم فارقتهم آنفا خير من هؤلاء ثم قال:
- أخوك الذي إن أجرضتك ملمة * من الدهر لم يبرح لبثك واجما - - وليس أخوك بالذي إن تمنعت * عليك أمور ظل يلحاك لائما - ثم مضى فلم يزل يذكر الله حتى دخل الكوفة.
اجتماع الحكمين بدومة الجندول حكى الطبري عن الواقدي انه كان ذلك في شعبان سنة 38 وللصواب انه كان سنة 37 روى نصر ان عليا ع بعث أربعمائة رجل وبعث عليهم شريح بن هانئ الحارثي وبعث عبد الله بن عباس يصلي بهم ويلي أمورهم وأبو موسى الأشعري معهم وبعث معاوية شرحبيل بن السمط مع عمرو بن العاص في أربعمائة رجل فكان إذا كتب علي بشئ اتاه أهل الكوفة فقالوا ما الذي كتب به إليك أمير المؤمنين فيكتمهم فيقولون كتب إليك في كذا وكذا ويجئ رسول معاوية إلى عمرو بن العاص فلا يدري في أي شئ جاء ولا في أي شئ ذهب فأنب ابن عباس أهل الكوفة بذلك ثم ودع شرحبيل عمرو بن العاص وقال له انك رجل قريش وان معاوية لم يبعثك الا ثقة بك وانك لن تؤتى من عجز ولا مكيدة فكن عند ظننا بك وانصرف وودع شريح أبا موسى وقال إنك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر صدعه و لا يستقال فتقه وانه لا بقاء لأهل العراق ان ملكها معاوية ولا باس لأهل الشام ان ملكها علي وقد كانت منك تثبيطة بالكوفة فان تشفعها بمثلها يكن الظن فيك يقينا والرجاء يأسا. وكان آخر من ودع أبا موسى الأحنف بن قيس فقال له يا أبا موسى أعرف خطب هذا الامر وأعلم ان له ما بعده وانك ان أضعت العراق فلا عراق فاتق الله فإنها تجمع لك دنياك وآخرتك وإذا لقيت عمرا غدا فلا تبدأه بالسلام فإنها وإن كانت سنة الا انه ليس من أهلها وإياك ان يقعدك على صدر الفراش فإنها خدعة ولا تلقه الا وحده واحذره ان يكلمك في بيت فيه مخدع تخبأ فيه الرجال والشهود. ثم أراد ان يختبر ما في نفسه فقال له فإن لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي فخيره بين ان يختار أهل العراق من قريش الشام من شاؤوا أو يختار أهل الشام من قريش العراق من شاؤوا قال أبو موسى قد سمت ما قلت ولا يستنكر ذلك فاتى الأحنف عليا فقال يا أمير المؤمنين اخرج والله أبا موسى زبدة سقائه في أول مخضة لا أرانا الا بعثنا رجلا لا ينكر خلعك فقال علي يا أحنف ان الله غالب على امره قال فمن ذلك تجزع وفشا أمر الأحنف وأبي موسى في الناس فجهز الشني راكبا فتبع به أبا موسى بهذه الأبيات:
- أبا موسى جزاك الله خيرا * عراقك ان حظك في العراق - - وان الشام قد نصبوا إماما * من الأحزاب معروف النفاق - - وانا لا نزال لهم عدوا * أبا موسى إلى يوم التلاقي - - فلا تجعل معاوية بن حرب * إماما ما مشت قدم بساق - - ولا يخدعك عمرو ان عمرا * أبا موسى تحاماه الرواقي - - فكن منه على حذر وانهج * طريقك لا تزال بك المراقي - وقال شريح مع ذلك:
- أبا موسى رميت بشر خصم * فلا تضع العراق فدتك نفسي -