ثم قد يجور وقد يعدل وقد يتهتك ويشرب الخمر. وفي نظر الشيعة هو فوق أن يحكم عليه وهو مشرع ومنفذ وله سلطة روحية تفوق حتى سلطة البابا.
ونقول: الامام واجب الطاعة عن السنيين بمقتضى قوله تعالى:
أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم وهو ينصب القضاة ويقيم الحدود وتقام الجمعات باسمه وباذنه ويجهز الجيوش ويقسم الفئ ويتصرف في بيت المال. ويتصرف في جميع أمور الرعية بالحبس والنفي والضرب والتأديب وغير ذلك حتى كان يقال درة عمر أهيب من سيف الحجاج فأي سلطة روحية تفوق هذه. ولو لم يكن له سلطة إلا وجوب الطاعة بنص القرآن لكفى وأما التشريع: فهو في نظر الشيعة لله وحده لا للنبي فضلا عن الامام وإنما النبي يتلقى التشريع من الله تعالى بواسطة الوحي وليس له أن يشرع من قبل نفسه إن هو إلا وحي يوحى وكذلك الامام يتلقى التشريع من النبي وليس له أن يشرع من قبل نفسه وحينئذ فسلطته الروحية لا تصل إلى حد التشريع من نفسه وبذلك يبطل قوله تفوق حتى سلطة البابا الذي ما أحله في الأرض يحل في السماء ولكن إذا كان الامام ليس بمعصوم وليس له أن يشرع عند غير الشيعة فلما ذا قبلوا تشريعه في إسقاط حي على خير العمل من الأذان وزيادة الصلاة خير من النوم في صلاة الصبح وفي إثبات العول وغير ذلك مما هو مشهور معروف وجعلوا له سلطة تفوق حتى سلطة البابا، وإذا كانت الشيعة تشترط في الامام أن يكون معصوما من الذنوب منزها عن العيوب وأن يكون أفضل أهل زمانه.
وغيرها يجوز أن يكون ظالما جائرا متهتكا شاربا للخمر فأي الفريقين أقرب إلى الصواب في نظر العقلاء وهل يستحسن في نظر أهل العقل والدين أن يكون المتهتك الشارب الخمر واجب الإطاعة على الخلق من الله تعالى متصرفا في جميع أمورهم ومن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية؟!...
قال (1): وظاهر أن عقيدة الشيعة على هذا المنوال تشل العقل وتميت الفكر وتعطي للخليفة أو الامام سلطة لا حد لها فيعمل ما يشاء وليس لأحد أن يعترض عليه وهي أبعد ما تكون عن الديموقراطية الصحيحة التي تجعل الحكم للشعب في مصلحة الشعب وتزن التصرفات بميزان العقل ولا تجعل الخليفة والامام والملك إلا خادما للشعب فيوم لا يخدمهم لا يستحق البقاء في الحكم.
ونقول: ظاهر أن عقيدة أن الامام يجور ويتهتك بالمعاصي ويشرب الخمر ويجب علينا طاعته وتسليم جميع أمورنا إليه يحكم في دمائنا وأموالنا وأعراضنا لهي التي تشل العقل وتميت الفكر وتعطي للفساق المتهتكين سلطة من الله تعالى.
قال (2): حكم الامام في نظر الشيعة حكم ديني معصوم وفي هذا إفناء لعقليتهم وتسليم مطلق لتصرفات أئمتهم وأين هذا النظر من النظر المستند إلى الطبيعة وهو أن الله لم يخلق فرعا أو أسرة من الناس تمتاز كلها متسلسلة بامتياز لا حد له.
ونقول: إذا كان الامام في نظر الشيعة حكما دينيا معصوما فليس في التسليم له إفناء للعقلية وإنما يكون إفناء العقلية في التسليم المطلق لتصرفات من يجوز عليه الفسق. والإمامة ليست كما يتصورها هو أنها كسلطنة فلان وإمارة فلان. الإمامة عند المسلمين رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي ص فمن يرى هذا المنصب الديني العظيم الذي هو أعظم المناصب الدينية لا يكون إلا لمعصوم فليس في هذا إفناء للعقلية وإنما القول بان هذا المنصب يستحقه حتى الفساق هو الأفناء للعقلية والاستسلام لتصرفات الفاسقين، وإذا كان الشيعة يعتقدون في أئمتهم العصمة وسلموا تسليما مطلقا لتصرفاتهم فلا لوم عليهم إنما اللوم على من يسلم تسليما مطلقا لمن يجوز عليه المعصية والفسق.
ومتى قالت الشيعة أن تقويم الأشخاص بالقرابة والنسب حتى يورد عليها أن ذلك لا مدخل له ومتى قالت أن الصلاح والتقوى والعلم تورث حتى يورد عليها بأنها لا تورث، نعم إذا اجتمع حسن الأفعال مع شرف النسب كان نورا على نور. الشيعة تقول: إن استحقاق الإمامة كان بالفضائل النفسية عطاء من الله لا بالنسب، نعم أن هذا الفضل وجد في العترة دون غيرهم. وإنما الذي قال أن الإمامة بالقرابة والنسب هم غير الشيعة وهم الذين احتجوا على الأنصار بأنهم عشيرة النبي ص، ولئن قالت الشيعة بحصر الإمامة في ولد علي وفاطمة فقد قال من تسموا بالسنيين بحصرها في قريش فإن كانت القرابة والنسب لا مدخل لهما في تقويم الأشخاص فلما ذا احتج المهاجرون على الأنصار بأنهم من قريش ودفعوا حق الأنصار من الخلافة وإذا كانت القرابة لا مدخل لها فقد أخطأ السنيون في حصرها في قريش كما أخطأ الشيعة في حصرها في العترة فلم خص الخطأ بأحد الفريقين. وإذا كان الإنسان يوزن باعماله رجح علي وأولاده الأحد عشر على جميع من يوزن معهم بأعمالهم، ولم يدع أحد من الشيعة أن الإمامة ارث حتى يورد عليه بان ذلك قلب لنظام الاسلام وهدم لأهم مبادئه. وأما إن الايمان بالامام يجب المعاصي فلا يجب المعاصي غير التوبة وعفو الله عند الشيعة.
قال (3): لو كان لعلي كل هذا الذي يدعونه للامام من عصمة وعلم ببواطن الأمور ونتائجها لتغير وجه التاريخ ولما قبل التحكيم ولدبر الحروب خيرا مما دبر والنبي نفسه يقول: لو كنت أعلم الغيب الآية.
ونقول: أما بواطن الأمور ونتائجها فلا يعلمها إلا الله. وأما العصمة فقد دل عليها الدليل في الامام كما دل عليها في النبي. وأما قوله:
ولما قبل التحكيم، ففيه أنه لم يقبل التحكيم وإنما أكره عليه وهذا من بديهيات التاريخ، وأمر التحكيم لم يكن محتاجا إلى عصمة أو علم ببواطن الأمور بل كان ظاهرا لكل فطن أنه حيلة وخديعة ولم يكن ليخفى على مثل أمير المؤمنين سواء أ كان معصوما أم لا وإنما اغتر به أهل الجباه السود وساعد عليه الأشعث عن علم بحاله وتبعته عشيرته ولم يبق ممن لم يغتر به ولم يساعد عليه نفاقا أو كراهة للحرب إلا القليل. وأما قوله ولدبر الحروب خيرا مما دبر فتدبيره للحروب لم يكن فوقه تدبير، والنبي ص الذي لا شك في عصمته قد هزم جيشه يوم أحد ولم يكن ذلك لقلة تدبير منه.
قال (4): الحق أن هذه أوهام جرت على الناس البلاء وجعلتهم يذلون ويخضعون خضوعا مطلقا للظلم والفساد ويرضون به ولا يرفعون صوتهم بالنقد بل ولا يقومون بأضعف الايمان وهو الاستنكار بالقلب.
ونقول: بل الحق أن الأوهام التي جرت البلاء إلى آخر ما ذكره: