يوم وقفوا لرسول الله ص في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا اثني عشر رجلا منهم أبو سفيان. فهذا لك يا معاوية وأما أنت يا ابن النابغة فادعاك خمسة من قريش غلب عليك ألأمهم حسبا وأخبثهم منصبا وولدت على فراش مشترك ثم قام أبوك فقال انا شانئ محمد الأبتر فأنزل الله فيه أن شانئك هو الأبتر وقاتلت رسول الله ص في جميع المشاهد وهجوته وآذيته بمكة وكدته وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة ثم خرجت تريد النجاشي لتأتي بجعفر وأصحابه فلما أخطأك ما رجوت ورجعك الله خائبا وأكذبك واشيا جعلت حدك على صاحبك عمارة بن الوليد فوشيت به إلى النجاشي ففضحك الله وفضح صاحبك فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والاسلام وهجوت رسول الله ص بسبعين بيتا من الشعر فقال اللهم إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي اللهم العنه بكل حرف ألف لعنة. وأما ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدنيا نارا ثم لحقت بفلسطين فلما أتاك قتله قلت أنا أبو عبد الله إذا نكات قرحة أدميتها ثم حبست نفسك إلى معاوية وبعت دينك بدنياه فلسنا نلومك على بغض ولا نعاتبك على ود وبالله ما نصرت عثمان حبا ولا غضبت له مقتولا ويحك يا ابن العاص أ لست القائل لما خرجت إلى النجاشي:
- تقول ابنتي أين هذا الرحيل * وما السير مني بمستنكر - - فقلت ذريني فاني امرؤ * أريد النجاشي في جعفر - - لأكويه عنده كية * أقيم بها نخوة الأصعر - - وشأني احمد من بينهم * وأقولهم فيه بالمنكر - - واجري إلى عيبه جاهدا * ولو كان كالذهب الأحمر - - ولا أنثني عن بني هاشم * بما اسطعت في الغيب والمحضر - - فان قبل العيب مني له * والا لويت له مشفري - وأما أنت يا وليد فوالله ما ألومك على بغض علي وقد قتل أباك بين يدي رسول الله ص صبرا وجلدك ثمانين في الخمر لما صليت بالمسلمين الفجر سكران وفيك يقول الحطيئة:
- شهد الحطيئة حين يلقى ربه * ان الوليد أحق بالعذر - - نادى وقد تمت صلاتهم * أ أزيدكم سكرا وما يدري - - ليزيدهم أخرى ولو قبلوا * لاتت صلاتهم على العشر - - فأبوا أبا وهب ولو قبلوا * لقرنت بين الشفع والوتر - - حبسوا عنانك إذ جريت ولو * تركوا عنانك لم تزل تجري - وسماك الله في كتابه فاسقا وسمى أمير المؤمنين مؤمنا حيث تفاخرتما فقلت له اسكت يا علي فانا أشجع منك جنانا وأطول منك لسانا. فقال لك علي اسكت يا وليد فانا مؤمن وأنت فاسق فأنزل الله تعالى في موافقة قوله: أ فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ثم أنزل فيك على موافقة قوله: إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ومهما نسيت فلا تنس قول الشاعر فيك وفيه:
- انزل الله والكتاب عزيز * في علي وفي الوليد قرانا - - فتبوا الوليد إذ ذاك فسقا * وعلي مبوأ ايمانا - - ليس من كان مؤمنا عمرك الله * كمن كان فاسقا خوانا - - سوف يدعى الوليد بعد قليل * وعلي إلى الحساب عيانا - - فعلي يجزي بذاك جنانا * ووليد يجزى بذاك هوانا - - رب جد لعقبة بن ابان * لابس في بلادنا تبانا - وما أنت وقريش إنما أنت علج من أهل صفورية وأقسم بالله لانت أكبر في الميلاد وأسن ممن تدعى إليه وأما أنت يا عتبة فوالله ما أنت بحصيف فأجيبك ولا عاقل فأحاورك وأعاتبك وما عندك خير يرجى ولا شر يتقى وما عقلك وعقل أمتك الا سواء وما يضر عليا لو سببته على رؤوس الاشهاد وأما وعيدك إياي بالقتل فهلا قتلت اللحياني إذ وجدته على فراشك فقال فيك نصر بن حجاج:
- يا للرجال وحادث الأزمان * ولسبة تخزي أبا سفيان - - نبئت عتبة خانه في عرسه * جبس لئيم الأصل في لحيان - وكيف ألومك على بغض علي وقد قتل خالك الوليد مبارزة يوم بدر وشرك حمزة في قتل جدك عتبة وأوحدك من أخيك حنظلة في مقام واحد.
وأما أنت يا مغيرة فلم تكن بخليق ان تقع في هذا وشبهه إنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة استمسكي فاني طائرة عنك فقالت النخلة هل علمت بك واقعة علي فاعلم بك طائرة عني وان حد الله عليك في الزنا لثابت ولقد درأ عمر عنك حقا الله سائله عنه ولقد سالت رسول الله ص هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها فقال لا باس بذلك يا مغيرة ما لم ينو الزنا لعلمه بأنك زان. واما فخركم علينا بالامارة فان الله تعالى يقول:
وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا. ثم قام الحسن فنفض ثوبه وانصرف فتعلق عمرو بثوبه وقال يا أمير المؤمنين قد شهدت قوله في وانا مطالب له بحد القذف فقال معاوية خل عنه لا جزاك الله خيرا فتركه فقال معاوية قد أنبأتكم أنه ممن لا تطاق عارضته ونهيتكم ان تسبوه فعصيتموني والله ما قام حتى أظلم علي البيت قوموا عني فلقد فضحكم الله وأخزاكم بترككم الحزم وعدو لكم عن رأي الناصح المشفق وقال:
- امرتكم أمرا فلم تسمعوا له * وقلت لكم لا تبعثن إلى الحسن - - فجاء ورب الراقصات عشية * بركبانها يهوين من سرة اليمن - - أخاف عليكم منه طول لسانه * وبعد مداه حين اجراره الرسن - - فلما أبيتم كنت فيكم كبعضكم * وكان خطابي فيه غبنا من الغبن - - فحسبكم ما قال مما علمتم * وحسبي بما ألقاه في القبر والكفن - رجوعه إلى المدينة قال المدائني: أقام الحسن ع بالكوفة أياما ثم تجهز للشخوص إلى المدينة فدخل عليه المسيب بن الفزاري وظبيان بن عمارة التميمي ليودعاه فقال الحسن ع الحمد لله الغالب على أمره لو جمع الناس جميعا على أن لا يكون ما هو كائن ما استطاعوا إلى أن قال فعرض له المسيب وظبيان بالرجوع فقال ليس إلى ذلك سبيل فلما كان الغد خرج وتوجه إلى المدينة هو وأخوه الحسين ع وأهل بيته وحشمهم وجعل الناس يبكون عند مسيرهم من الكوفة فلما صار بدير هند نظر إلى الكوفة وقال:
- ولا عن قلى فارقت دار معاشري * هم المانعون حوزتي وذماري - قال المفيد: خرج الحسن ع إلى المدينة فأقام بها كاظما غيظه لازما منزله منتظرا لأمر ربه.
وفاة الحسن ع روى الزبير بن بكار في كتاب انساب قريش عن محمد بن حبيب في